الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٥ - الصفحة ٢٨٨
الوحش فكانت تروح عليه بكرة وعشية فتفشخ رجليها فيشرب من لبنها حتى بنت لحمه * وأخرج ابن إسحاق والبزار وابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد الله حبس يونس عليه السلام في بطن الحوت أوحى الله إلى الحوت أن خذه ولا تخدش له لحما ولا تكسر له عظما فأخذه ثم أهوى به إلى مسكنه في البحر فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حسا فقال في نفسه ما هذا فأوحى الله إليه وهو في بطن الحوت ان هذا تسبيح دواب الأرض فسبح وهو في بطن الحوت فسمع الملائكة عليهم السلام تسبيحه فقالوا ربنا انا نسمع صوتا ضعيفا بأرض غربة قال ذاك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر قالوا العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم عمل صالح قال نعم فشفعوا له عند ذلك فأمره فقذفه في الساحل كما قال الله وهو سقيم * وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال إن يونس عليه السلام كان وعد قومه العذاب وأخبرهم انه يأتيهم إلى ثلاثة أيام فتفرقوا بين كل والدة وولدها ثم خرجوا فجأروا إلى الله واستغفروه فكف الله عنهم العذاب وغدا يونس عليه السلام ينتظر العذاب فلم ير شيئا وكان من كذب ولم يكن له بينة قتل فانطلق مغاضبا حتى أتى قوما في سفينة فحملوه وعرفوه فلما دخل السفينة ركدت والسفن تسير يمينا وشمالا فقال ما بال سفينتك قالوا ما ندري قال ولكني أدرى ان فيها عبدا أبق من ربه وانها والله لا تسير حتى تلقوه قالوا ما أنت والله يا نبي الله فلا نلقيك فقال لهم يوسن عليه السلام اقترعوا فمن قرع فليقع فاقترعوا فقرعهم يونس عليه السلام ثلاث مرار فوقع وقد وكل به الحوت فلما وقع ابتلعه فأهوى به إلى قرار الأرض فسمع يونس عليه السلام تسبيح الحصى فنادى في الظلمات أن لا اله الا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين قال ظلمة بطن الحوت وظلمة البحر وظلمة لليل قال فنبذ بالعراء هو سقيم قال كهيئته الفرخ الممعوط الذي ليس عليه ريش وأنبت الله عليه شجرة من يقطين فكان يستظل بها ويصيب منها فيبست فبكى عليها حين يبست فأوحى الله إليه أتبكي على شجرة ان يبست ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون أردت أن تهلكهم فخرج فإذا هو بغلام يرعى غنما فقال ممن أنت يا غلام قال من قوم يونس قال فإذا رجعت إليهم فاقرئهم السلام وأخبرهم انك لقيت يونس فقال له الغلام ان تكن يونس فقد تعلم أنه من كذب ولم يكن له بينة قتل فمن يشهد لي قال تشهد لك هذه الشجرة وهذه البقعة فقال الغلام ليونس مرهما فقال لهما يونس عليه السلام إذا جاءكما هذا الغلام فاشهدا له قالتا نعم فرجع الغلام إلى قومه وكان له إخوة فكان في منعة فأتى الملك فقال انى لقيت يونس وهو يقرأ عليكم السلام فامر به الملك أن يقتل فقال إن له بينة فأرسل معه فانتهوا إلى الشجرة والبقعة فقال لهما الغلام نشدتكما بالله هل أشهدكما يونس قالتا نعم فرجع القوم مذعورين يقولون تشهد لك الشجرة والأرض فاتوا الملك فحدثوه بما رأوا فتناول الملك يد الغلام فأجلسه في مجلسه وقال أنت أحق بهذا المكان منى وأقام لهم أمرهم ذلك الغلام أربعين سنة * وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب ابن منبه رضي الله عنه قال إن يونس بن متى كان عبدا صالحا وكان في خلقه ضيق فلما حملت عليه أثقال النبوة ولها أثقال لا يحملها الا قليل تفسخ تحتها تفسخ الربع تحت الحمل فقذفها من يده وخرج هازيا منها يقول الله لنبيه فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تكن كصاحب الحوت * وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله فساهم فكان من المدحضين قال من المسهومين قال اقترع فكان من المدحضين قال من المسهومين * وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن قتادة رضي الله عنه فساهم فكان من المدحضين قال احتبست السفينة فعلم القوم انها احتبست من حدث أحدثوه فتساهموا فقرع يونس عليه اللام فرمى بنفسه فالتقمه الحوت وهو مليم أي مسئ فيما صنع فلولا انه كان من المسبحين قال كان كثير الصلاة في الرخاء فنجا وكان يقال في الحكمة ان العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثر وإذا ما صرع وجد متكأ للبث في بطنه إلى يوم يبعثون يقول لصارت له قبرا إلى يوم القيامة * وأخرج ابن أبي شيبة عن وهب بن منبه رضي الله عنه انه جلس هو وطاوس ونحوهم من أهل ذلك الزمان فذكروا أي أمر الله أسرع فقال بعضهم قول الله تعالى كلمح البصر وقال بعضهم السرير حين أتى به سليمان فقال ابن منبه أسرع أمر الله ان يونس على
(٢٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 ... » »»
الفهرست