الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٤ - الصفحة ٦١
فأناخوا إليهم تلك النجائب ثم قالوا لهم ربكم يقرئكم السلام ويستزيدكم لتنظروا إليه وينظر إليكم وتحبونه ويحبكم وتكلمونه ويكلمكم ويزيدكم من فضله وسعته انه ذو رحمة واسعة وفضل عظيم فتحول كل رجل منهم على راحلته حتى انطلقوا صفا واحدا معتدلا لا يفوت منه شئ ولا يفوت أذن ناقة اذن صاحبتها ولا بركة ناقة بركة صاحبها ولا يمرون بشجرة من أشجار الجنة الا أتحفتهم بثمرها ورجلت لهم عن طريقها كراهية ان تثلم صفهم أو تفرق بين رجل ورفيقه فلما دفعوا إلى الجبار تعالى سفر لهم عن وجهه الكريم وتجلى لهم في عظمته العظيم يحييهم بالسلام فقالوا ربنا أنت السلام ومنك السلام لك حق الجلال والاكرام قال لهم ربهم انا السلام ومنى السلام ولى حق الجلال والاكرام فمرحبا بعبادي الذين حفظوا وصيتي ورعوا عهدي وخافوني بالغيب وكانوا منى على كل حال مشفقين قالوا ما وعزتك وعظمتك وجلالك وعلو مكانك وما قدرناك حق قدرك ولا أدينا إليك كل حقك فائذن لنا بالسجود لك قال لهم ربهم انى قد وضعت عنكم مؤنة العبادة وأرحت لكم أبدانكم طالما نصبتم لي الأبدان وأعنتم لي الوجوه فالآن أفضتم إلى روحي ورحمتي وكرامتي وطولي وجلالي وعلو مكاني وعظمة شأني فما يزالون في الأماني والعطايا والمواهب حتى أن المقصر منهم في أمنيته ليتمنى مثل جميع الدنيا منذ يوم خلقها الله تعالى إلى يوم يفنيها قال لهم ربهم لقد قصرتم في أمانيكم ورضيتم بدون ما يحق لكم فقد أوجبت لكم ما سألتم وتمنيتم وألجقت بكم وزدتكم ما قصرت عنه أمانيكم فانظروا إلى مواهب ربكم التي وهبكم فإذا بقباب في الرفيق الأعلى وغرف مبنية من الدر والمرجان أبوابها من ذهب وسررها من ياقوت وفرشها من سندس واستبرق ومنابرها من نور يفور من أبوابها وأعراصها نور مثل شعاع الشمس عنده مثل الكوكب الدري في النهار المضئ وإذا بقصور شامخة في أعلى عليين من الياقوت يزهر نورها فلولا انه مسخر اذن لالتمع الابصار فما كان من تلك القصور من الياقوت الأبيض فهو مفروش بالحرير الأبيض وما كان منها من الياقوت الأحمر فهو مفروش بالعبقري وما كان منها من الياقوت الأخضر فهو مفروش بالسندس الأخضر وما كان منها من الياقوت الأصفر فهو مفروش بالارجوان الأصفر مبوبة بالزمرد الأخضر والذهب الأحمر والفضة البيضاء قواعدها وأركانها من الجوهر وشرفها قباب من لؤلؤ وبروجها غرف من المرجان فلما انصرفوا إلى ما أعطاهم ربهم قربت لهم براذين من ياقوت أبيض منفوخ فيها الروح بجنبها الولدان المخلدون بيد كل وليد منهم حكمة برذون من تلك البراذين ولجمها وأعنتها من فضة بيضاء منظومة بالدر والياقوت سروجها سرر موضونة مفروشة بالسندس والاستبرق فانطلقت بهم تلك البراذين تزف بهم وتطؤ رياض الجنة فلما انتهوا إلى منازلهم وجدوا الملائكة قعودا على منابر من نور ينتظرونهم ليزوروهم ويصافحوهم ويهنوهم كرامة ربهم فلما دخلوا قصورهم وجدوا فيها جميع ما تطاول به عليهم ربهم مما سألوا وتمنوا وإذا على باب كل قصر من تلك القصور أربعة جنان جنتان ذواتا أفنان وجنتان مدهامتان وفيهما عينان نضاختان وفيهما من كل فاكهة زوجان وحور مقصورات في الخيام فلما تبوؤا منازلهم واستقروا اقرارهم قال لهم ربهم هل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم وربنا قال هل رضيتم بثواب ربكم قالوا ربنا رضينا فارض عنا قال برضاي عنكم حللتم داري ونظرتم إلى وجهي وصافحتم ملائكتي فهنيئا هنيئا لكم عطاء غير مجذوذ ليس فيه تنغيص ولا تصريد فعند ذلك قالوا الحمد لله الذين اذهب عنا الحزن وأدخلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ان ربنا لغفور شكور * وأخرج عبد بن حميد عن زيد مولى بنى مخزوم قال سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها واقرؤا ان شئتم وظل ممدود فبلغ ذلك كعبا رضي الله عنه فقال صدق والذي أنزل التوراة على موسى والفرقان على محمد صلى الله عليه وسلم لو أن رجلا ركب حقة أو جذعة ثم دار بأصل تلك الشجرة ما بلغها حتى يسقط هرما ان الله عز وجل غرسها بيده ونفخ فيها من روحه وان أفنانها من وراء سور الجنة وما في الجنة نهر الا يخرج من أصل تلك الشجرة * وأخرج ابن جرير عن مغيث بن سمى رضي الله عنه قال طوبى شجرة في الجنة لو أن رجلا ركب قلوصا جذعا أو جذعة ثم دار بها لم يبلغ المكان الذي ارتحل منه حتى يموت هرما وما من أهل الجنة منزل الا غصن من تلك الشجرة متدل عليهم فإذا أرادوا ان يأكلوا من الثمرة
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»
الفهرست