الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ٤ - الصفحة ٢١٣
حتى أيقظهما الصبح فسقيتهما اللهم ان كنت تعلم انى فعلت ذلك لوجهك فافرج عنا هذا الحجر ففرح الله عنهم وخرجوا إلى أهليهم راجعين * وأخرج أحمد وابن المنذر عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ان ثلاثة نفر فيما سلف من الناس انطلقوا يرتادون لأهليهم فاخذتهم السماء فدخلوا غارا فسقط عليهم حجر فجاف حتى ما يرون منه خصاصة فقال بعضهم لبعض قد وقع الحجر وعفا الأثر ولا يعلم مكانكم الا الله فادعوا الله عز وجل بأوثق أعمالكم فقال رجل منهم اللهم ان كنت تعلم أنه كان لي والدان فكنت أحلب لهما في إنائهما فآتيهما فإذا وجدتهما راقدين قمت على رؤسهما كراهة ان أرد سنتهما في رؤسهما حتى يستيقظا متى استيقظا اللهم ان كنت تعلم انى انما فعلت ذلك رجاء رحمتك ومخافة عذابك ففرج عنا فزال ثلث الحجر وقال الثاني اللهم ان كنت تعلم انى استأجرت أجيرا على عمل يعمله فأتاني يطلب أجره وأنا غضبان فزبرته فانطلق وترك أجره فجمعته وثمرته حتى كان منه كل المال فأتاني يطلب أجره فدفعت إليه ذلك كله ولو شئت لم أعطه الا أجره الأول اللهم ان كنت تعلم انى انما فعلت ذلك رجاء رحمتك ومخافة عذابك فافرج عنا فزال ثلثا الحجر وقال الثالث اللهم ان كنت تعلم أنه أعجبته امرأة فجعل لها جعلا فلما قدر عليها وفر لها نفسها وسلم لها جعلها اللهم ان كنت تعلم انى انما فعلت ذلك رجاء رحمتك ومخافة عذابك ففرج عنا فزال الحجر وخرجوا معاتيق يمشون * وأخرج البخاري ومسلم والنسائي وابن المنذر عن ابن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون إذ أصابهم مطر فأووا إلى غار فانطبق عليهم فقال بعضهم لبعض انه والله يا هؤلاء لا ينجيكم الا الصدق فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه فقال واحد منهم اللهم ان كنت تعلم أنه كان لي أجير يعمل لي على فرق من أرز فذهب وتركه وإني عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته فصار من أمره انى اشتريت منه بقرا وانه أتأتي يطلب أجره فقلت له اعمد إلى تلك البقر فسقها فقال لي انما لي عندك فرق من أرز فقلت له اعمد إلى تلك البقر فإنها من ذلك الفرق فساقها فان كنت تعلم انى فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا فانساخت عنهم الصخرة فقال الآخر اللهم ان كنت تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت آتيهما كل ليلة بلبن غنم لي فأبطأت عليهما ليلة فجئت وقد رقدوا أهلي وعيالي يتضاغون من الجوع فكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبواي فكرهت أن أوقظهما وكرهت أن أدعهما فيستكنا بشربتهما فلم أزل أنتظر حتى طلع الفجر فان كنت تعلم انى فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا فانساخت عنهم الصخرة حتى نظروا إلى السماء فقال الآخر اللهم ان كنت تعلم أنه كان لي ابنة عم من أحب الناس إلى وإني راودتها عن نفسها فأبت الا ان آتيها بمائة دينار فطلبتها حتى قدرت فأتيتها بها فدفعتها إليها فأمكنتني من نفسها فلما قعدت بين رجليها قالت اتق الله ولا تفض الخاتم الا بحقه فقمت وتركت المائة دينار فان كنت تعلم انى فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا ففرج الله عنهم فخرجوا * وأخرج البخاري في تاريخه من حديث ابن عباس مثله * قوله تعالى (إذ أوى الفتية إلى الكهف) * أخرج ابن أب شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال غزونا مع معاوية غزوة المضيق نحو الروم فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف الذي ذكر الله في القرآن فقال معاوية لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال له ابن عباس ليس ذلك لك قد منع الله ذلك من هو خير منك فقال لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا فقال معاوية لا انتهى حتى أعلم علمهم فبعث رجالا فقال اذهبوا فأدخلوا الكهف فانظروا فذهبوا فلما دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحا فأخرجتهم فبلغ ذلك ابن عباس فأنشأ يحدث عنهم فقال إنهم كانوا في مملكة ملك من الجبابرة فجعلوا يعبدون حتى عبدوا الأوثان وهؤلاء الفتية في المدينة فلما رأوا ذلك خرجوا من تلك المدينة فجمعهم الله على غير ميعاد فجعل بعضهم يقول لبعض أين تريدون أن تذهبون فجعل بعضهم يخفى على بعض لأنه لا يدرى هذا على ما خرج هذا ولا يدرى هذا فأخذوا العهود والمواثيق ان يخبر بعضهم بعضا فان اجتمعوا على شئ والا كتم بعضهم بعضا فاجتمعوا على كلمة واحدة فقالوا ربنا رب السماوات والأرض إلى قوله مرفقا قال فقعدوا فجاء أهلهم يطلبونهم لا يدرون أين ذهبوا فرفع أمرهم إلى الملك فقال ليكونن لهؤلاء القوم بعد اليوم شان ناس خرجوا لا يدرى أين ذهبوا في غير خيانة ولا شئ يعرف فدعا بلوح من رصاص فكتب فيه أسماءهم ثم طرح في خزانته فذلك قول الله أم حسبت أن أصحاب الكهف
(٢١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 ... » »»
الفهرست