الدر المنثور - جلال الدين السيوطي - ج ١ - الصفحة ٢٠٧
* قوله تعالى (فمن اعتدى عليكم) الآية * أخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم وقوله وجزاء سيئة سيئة مثلها وقوله ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل وقوله وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به قال هذا ونحوه نزل بمكة والمسلمون يومئذ قليل فليس لهم سلطان يقهر المشركين فكان المشركون يتعاطونهم بالشتم والأذى فامر الله المسلمين من يتجازى منهم ان يتجازى بمثل ما أوتى إليه أو يصبر أو يعفو فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وأعز الله سلطانه أمر الله المسلمين ان ينتهوا في مظالمهم إلى سلطانهم ولا يعدو بعضهم على بعض كاهل الجاهلية فقال ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا الآية يقول ينصره السلطان حتى ينصفه من ظالمه ومن انتصر لنفسه دون السلطان فهو عاص مسرف قد عمل بحمية الجاهلية ولم يرض بحكم الله تعالى * وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه قال فقاتلوهم فيه كما قاتلوكم * وأخرج أحمد وابن جرير والنحاس في ناسخه عن جابر بن عبد الله قال لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو في شهر الحرام الا ان يغزى ويغزو فإذا حضره أقام حتى ينسلخ * قوله تعالى (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) قال نزلت في النفقة * وأخرج وكيع وسفيان بن عيينة وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن حذيفة في قوله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال هو ترك النفقة في سبيل الله مخافة العيلة * وأخرج وكيع وعبد بن حميد والبيهقي عن ابن عباس في قوله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال ترك النفقة في سبيل الله أنفق ولو مشقصا * وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال ليس التهلكة ان يقتل الرجل في سبيل الله ولكن الامساك عن النفقة في سبيل الله * وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة في قوله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال نزلت في النفقات في سبيل الله * وأخرج وكيع وعبد بن حميد عن مجاهد قال انما أنزلت هذه الآية ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة في النفقة في سبيل الله * وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرطي قال كان القوم في سبيل الله فيتزود الرجل فكان أفضل زاد من الآخر أنفق اليابس من زاده حتى لا يبقى من زاده شئ أحب ان يواسى صاحبه فأنزل الله وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة * وأخرج ابن جرير عن الحسن في الآية قال كانوا يسافرون ويقترون ولا ينفقون من أموالهم فأمرهم الله ان ينفقوا في مغازيهم في سبيل الله * وأخرج عبد بن حميد والبيهقي في الشعب عن الحسن في قوله بأيديكم إلى التهلكة قال هو البخل * وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في الآية قال كان رجال يخرجون في بعوث يبعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير نفقة فاما يقطع بهم واما كانوا عيالا فأمرهم الله أن يستنفقوا مما رزقهم الله ولا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة والتهلكة أن يهلك رجال من الجوع والعطش ومن المشي وقال لمن بيده فضل وأحسنوا ان الله يحب المحسنين * وأخرج عبد بن حميد وأبو يعلى وابن جرير والبغوي في معجمه وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن حبان وابن قانع والطبراني عن الضحاك بن أبى جبيرة ان الأنصار كانوا ينفقون في سبيل الله ويتصدقون فأصابتهم سنة فساء ظنهم وأمسكوا عن ذلك فأنزل الله وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة * وأخرج سفيان بن عيينة وعبد بن حميد عن مجاهد وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة قال لا يمنعنكم النفقة في حق خيفة العيلة * وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه والطبراني وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أسلم أبى عمران قال كنا بالقسطنطينية وعلى أهل مصر عقبة بن عامر وعلى أهل الشام فضالة بن عبيد فخرج صف عظيم من الروم فصففنا لهم فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم فصاح الناس وقالوا سبحان الله يلقى بيديه إلى التهلكة فقام أبو أيوب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس انكم تتأولون هذه الآية هذا التأويل وانما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار انا لما أعز الله دينه وكثر ناصروه قال بعضنا لبعض سرا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أموالنا قد ضاعت وان الله قد أعز الاسلام وكثر ناصروه فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع فيها فأنزل الله على نبيه يرد علينا ما قلنا وانفقوا في
(٢٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 ... » »»
الفهرست