تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٣ - الصفحة ٥٠٣
وقوله سبحانه: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن...) الآية: سبب نزول هذه الآية:
أن بعض المشركين سمع النبي صلى الله عليه وسلم يدعو: يا الله يا رحمان، فقالوا: كان محمد يأمرنا بدعاء إله واحد، وهو يدعو إلهين، قاله ابن عباس، فنزلت الآية مبينة، أنها أسماء لمسمى واحد، وتقدير الآية: أي الأسماء تدعو به، فأنت مصيب، فله الأسماء الحسنى، وفي " صحيح البخاري " بسنده عن ابن عباس في قوله سبحانه: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) قال: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة، كان إذا صلى بأصحابه، رفع صوته بالقرآن، فإذا سمعه المشركون، سبوا القرآن، ومن أنزله، ومن جاء به، فقال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (ولا تجهر بصلاتك)، أي: بقراءتك، فيسمع المشركون فيسبوا القرآن، (ولا تخافت بها) عن أصحابك، فلا تسمعهم، (وابتغ بين ذلك سبيلا)، وأسند البخاري عن عائشة: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) قالت: أنزل ذلك في الدعاء انتهى.
قال الغزالي في " الإحياء ": وقد جاءت أحاديث تقتضي استحباب السر بالقرآن، وأحاديث تقتضي استحباب الجهر به، والجمع بينهما أن يقال: إن التالي إذا خاف على نفسه الرياء والتصنع أو تشويش مصل، / فالسر أفضل، وإن أمن ذلك، فالجهر أفضل، لأن العمل فيه أكثر، ولأن فائدته أيضا تتعدى إلى غيره، والخير المتعدي أفضل من اللازم، ولأنه يوقظ قلب القارئ، ويجمع همته إلى الفكر فيه، ويصرف إليه سمعه، ويطرد عنه النوم برفع صوته، ولأنه يزيد في نشاطه في القراءة، ويقلل من كسله، ولأنه يرجو بجهره تيقظ نائم، فيكون سببا في إعانته على الخير، ويسمعه بطال غافل، فينشط بسببه، ويشتاق لخدمة خالقه، فمهما حضرت نية من هذه النيات، فالجهر أفضل، وإن اجتمعت هذه النيات، تضاعف الأجر، وبكثرة النيات يزكو عمل الأبرار وتتضاعف أجورهم. انتهى.
وقوله سبحانه: (ولم يكن له ولي من الذل) هذه الآية رادة على كفرة العرب في
(٥٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 498 499 500 501 502 503 504 505 506 507 508 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة