وإن الوحش تأتيهم جهارا * ولا تخشى لعادي سهاما وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم * نهاركم وليلكم التماما فقبح وفدكم من وفد قوم * ولا لقوا التحية والسلاما فغنت به الجرادتان، فلما سمعه القوم قال بعضهم: يا قوم إنما بعثكم قومكم لما حل بهم، فادخلوا هذا الحرم، وادعوا لعل الله يغيثهم فخرجوا لذلك، فقال لهم مرثد بن سعد: إنكم والله ما تسقون بدعائكم، ولكنكم إن أطعتم نبيكم وآمنتم سقيتم، وأظهر إيمانه يومئذ، فخالفه الوفد، وقالوا لمعاوية بن بكر وأبيه بكر: احبسا عنا مرثدا، ولا يدخل معنا الحرم، فإنه قد اتبع هودا، ومضوا إلى الحرم، فاستسقى قيل بن عنز، وقال: يا إلا هنا إن كان هود صادقا، فاسقنا، فإنا قد هلكنا، فأنشأ الله تعالى سحائب ثلاثا بيضاء وحمراء وسوداء، ثم نادى مناد من السماء: يا قيل اختر لنفسك ولقومك من هذه السحائب ما شئت، فقال قيل: قد اخترت السوداء فإنها أكثرهن ماء، فنودي:
قد اخترت رمادا رمددا * لا تبقى من عاد أحدا لا والدا ولا ولدا * إلا جعلتهم همدا وساق الله السحابة السوداء التي اختارها قيل إلى عاد حتى خرجت عليهم من واد لهم يقال له: المغيث، فلما رأوها، قالوا هذا عارض ممطرنا، حتى عرفت أنها ريح امرأة منهم يقال لها: مهدر، فصاحت وصعقت، فلما أفاقت قيل لها: ما رأيت؟ قالت: ريحا فيها كشهب النار، أمامها رجال يقودونها، فسخرها الله عليهم سبع ليال، وثمانية أيام حسوما، والحسوم: الدائمة، فلم تدع من عاد أحدا إلا هلك، فاعتزل هود، ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبه من ريح إلا ما يلتد به.
قال * ع *: وهذا قصص وقع في " تفسير الطبري " مطولا، وفيه اختلاف، فاقتضبت عيون ذلك بحسب الإيجاز، وفي خبرهم: أن الريح كانت تدمغهم بالحجارة، وترفع الظعينة عليها المرأة حتى تلقيها في البحر.
وفي خبرهم: أن أقوياءهم كان أحدهم يسد بنفسه مهب الريح حتى تغلبه فتلقيه في البحر، فيقوم آخر مكانه حتى هلك الجميع. وقال زيد بن أسلم: بلغني أن ضبعا ربت