تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٣ - الصفحة ٤١
بالباء المضمومة والشين الساكنة، وروي عنه " بشرا " بضم الباء والشين، ومن جمع الريح في هذه الآية، فهو أسعد، وذلك أن الرياح حيث وقعت في القرآن فهي مقترنة بالرحمة، كقوله: (ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات) [الروم: 46] وأكثر ذكر الريح مفردة إنما هو بقرينة عذاب، كقوله سبحانه: (وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم) [الذاريات: 41] وقد تقدم إيضاح هذا في " سورة البقرة ".
ومن قرأ في هذه الآية " الريح " بالإفراد، فإنما يريد به اسم الجنس، وأيضا فتقييدها ب‍ " بشرا " يزيل الاشتراك.
والإرسال في الريح هو بمعنى الإجراء، والإطلاق، وبشرا، أي: تبشر السحاب، وأما " بشرا " بضم الباء والشين، فجمع بشير، كنذير ونذور، والرحمة في هذه الآية المطر، و (بين يدي)، أي: أمام رحمته وقدامها، و (أقلت) معناه: رفعته من الأرض، واستقلت به، و (ثقالا) معناه من الماء، والعرب تصف السحاب بالثقل، والريح تسوق السحاب من ورائه فهو سوق حقيقة، والضمير في (سقناه) عائد على السحاب، ووصف البلد بالموت استعارة بسبب شعثه وجدوبته.
والضمير في قوله (فأنزلنا به) يحتمل أن يعود على السحاب، أي منه، ويحتمل أن يعود على البلد، ويحتمل أن يعود على الريح.
وقوله تبارك وتعالى: (كذلك نخرج الموتى) يحتمل مقصدين:
أحدهما: أن يراد كهذه / القدرة العظيمة هي القدرة على إحياء الموتى، وهذا مثال لها.
الثاني: أن يراد أن هكذا نصنع بالأموات من نزول المطر عليهم، حتى يحيوا به، حسب ما وردت به الآثار، فيكون الكلام خبرا لا مثالا.
وقوله سبحانه: (والبلد الطيب يخرج نباته...) آية متممة للمعنى الأول في الآية قبلها، معرفة بعادة الله سبحانه في إنبات الأرضين، فمن أراد أن يجعلها مثالا لقلب المؤمن، وقلب الكافر، كما هو محكي عن ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدي، فذلك مترتب، لكن ألفاظ الآية لا تقتضي أن المثل قصد به ذلك، والطيب: هو الجيد التراب الكريم الأرض وخص بإذن ربه مدحا وتشريفا، وهذا كما تقول لمن تغض منه: أنت
(٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة