تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٣ - الصفحة ٤٩
وقوله: (قد جاءتكم بينة من ربكم) أي: آية أو حجة أو موعظة بينة من ربكم، قال بعض الناس: إن صالحا جاء بالناقة من تلقاء نفسه.
وقال الجمهور: بل كانت مقترحة، وهذا أليق بما ورد في الآثار من أمرهم، روي أن قومه طلبوا منه آية تضطرهم إلى الإيمان، وقالوا: يا صالح، إن كنت صادقا، فادع لنا ربك يخرج لنا من هذه الهضبة، وفي بعض الروايات من هذه الصخرة - لصخرة بالحجر - ناقة عشراء، فدعا الله، فتمخضت تلك الهضبة، وانشقت عن ناقة عظيمة، وروي أنها كانت حاملا، فولدت سقبها المشهور.
وروي أنه خرج معها فصيلها من الصخرة.
وقيل لها: (ناقة الله)، تشريفا لها، وتخصيصا، وهي إضافة خلق إلى خالق، وجعل الله لها شربا يوما، ولهم شرب يوم، وكانت آية في شربها وحلبها.
قال المفسرون: كانت خلقا عظيما تأتي إلى الماء بين جبلين، فيزحمانها من العظم، وقاسمت ثمود في الماء يوما بيوم، فكانت الناقة ترد يومها، فتستوفي ماء بئرهم شربا، ويحلبونها ما شاؤوا من لبن، ثم تمكث يوما، وترد بعد ذلك غبا، فاستمر ذلك ما شاء الله حتى ملتها ثمود، وقالوا: ما نصنع باللبن، الماء أحب إلينا منه، وكان سبب الملل فيما روي: أنها كانت تصيف في بطن الوادي، وادي الحجر / وتشتو في ظاهره، فكانت مواشيهم تفر منها، فتمالؤوا على ملل الناقة، وروي أن صالحا أوحى الله إليه أن قومك سيعقرون الناقة، وينزل بهم العذاب عند ذلك، فأخبرهم بذلك، فقالوا: عياذا بالله أن نفعل ذلك، فقال: إن لم تفعلوا أنتم أوشك أن يولد فيكم من يفعله، وقال لهم صفة عاقرها:
أحمر، أشقر، أزرق، فولد قدار على الصفة المذكورة، فكان الذي عقرها بالسيف، وقيل:
بالسهم في ضرعها، وهرب فصيلها عند ذلك، حتى صعد على جبل يقال له القارة، فرغا ثلاثا، فقال: يا صالح، هذا ميعاد ثلاثة أيام للعذاب، وأمرهم قبل رغاء الفصيل أن يطلبوه عسى أن يصلوا إليه، فيندفع عنهم العذاب به، فراموا الصعود إليه في الجبل فارتفع الجبل في السماء، حتى ما تناله الطير، وحينئذ رغا الفصيل، وروي أن صالحا عليه السلام قال لهم، حين رغا الفصيل: ستصفر وجوهكم في اليوم الأول، وتحمر في الثاني، وتسود في الثالث، فلما ظهرت العلامات التي قال لهم، أيقنوا بالهلاك، واستعدوا، ولطخوا أبدانهم بالمر، وحفروا القبور، وتحنطوا وتكفنوا في الأنطاع، فأخذتهم الصيحة، وخرج صالح ومن آمن معه، حتى نزل رملة فلسطين، وقد أكثر الناس في هذا القصص، وهذا القدر
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة