تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٢٤
هلا ألقى رب موسى عليه أساورة من ذهب إن كان صادقا؟ وكان ذلك دليلا على إلقاء مقاليد الملك إليه، لما وصف نفسه بالعزة والملك، ووازن بينه وبين موسى عليه السلام، فوصفه بالضعف وقلة الأعضاد. فاعترض فقال: إن كان صادقا، فهلا ملكه ربه وسوره وجعل الملائكة أنصاره؟ وقرأ الضحاك: * (فلولا ألقى) * مبنيا للفاعل، أي الله؛ أساورة نصبا؛ والجمهور: أساورة رفعا، وأبي وعبد الله: أساوير، والمفرد إسوار بمعنى سوار، والهاء عوض من الياء، كهي في زنادقة، هي عوض من ياء زناديق المقابلة لياء زنديق، وهذه مقابلة لألف أسوار. وقرأ الحسن، وقتادة، وأبو رجاء، والأعرج، ومجاهد، وأبو حيوة، وحفص: أسورة، جمع سوار، نحو: خمار وأخمرة. وقرأ الأعمش: أساور. ورويت عن أبي، وعن أبي عمرو، * (أو جاء معه الملئكة مقترنين) *: أي يحمونه ويقيمون حجته. قال ابن عباس: يعينونه على من خالفه. وقال السدي: يقارن بعضهم بعضا. وقال مجاهد: يمشون معه. وقال قتادة: متتابعين.
* (فاستخف قومه) *: أي استجهلهم لخفة أحلامهم، قاله ابن الاعرابي. وقال غيره: حملهم على أن يخفوا لما يريد منهم، فأجابوه لفسقهم. * (فلما ءاسفونا) *: منقول بالهمزة من أسف، إذا غضب؛ والمعنى: فلما عملوا الأعمال الخبيثة الموجبة لأن لا يحلم عنهم. وعن ابن عباس: أحزنوا أولياءنا المؤمنين نحو السحرة وبني إسرائيل. وعنه أيضا: أغضبونا. وعن علي: أسخطونا. وقيل: خالفوا. وقال القشيري وغيره: الغضب من الله، إما إرادة العقوبة، فهو من صفات الذات؛ أو العقوبة، فيكون من صفات الفعل. وقرأ الجمهور: سلفا. قال ابن عباس، وزيد بن أسلم، وقتادة: أي متقدمين إلى النار، وهو مصدر سلف يسلف سلفا، وسلف الرجل آباؤه المتقدمون، والجمع أسلاف وسلاف. وقيل هو جمع سالف، كحارس وحرس، وحقيقته أنه اسم جمع، لأن فعلا ليس من أبنية الجموع المكسرة. وقال طفيل يرثي قومه:
* مضوا سلفا قصد السبيل عليهم * صروف المنايا والرجال تقلب * قال الفراء والزجاج: سلفا ليتعظ بهم الكفار المعاصرون للرسول. وقرأ أبو عبد الله وأصحابه، وسعيد بن عياض، والأعمش، وطلحة، والأعرج، وحمزة، والكسائي: وسلفا بضم السين واللام، جمع سليف، وهو الفريق. سمع القاسم بن معن العرب تقول: مضى سليف من الناس. وقرأ علي، ومجاهد، والأعرج أيضا: وسلفا، بضم السين واللام، جمع سلفة، وهي الأمة والقطيعة. والسلف في غير هذا: ولد القبح، والجمع سلفان. * (ومثلا للاخرين) *: أي حديثا عجيب الشأن سائرا مسير المثل، يحدث به الآخرون من الكفار، يقال لهم: مثلكم مثل قوم فرعون.
* (ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون * وقالوا ءأالهتنا خير أم هو * ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون * إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبنى إسراءيل * ولو نشاء لجعلنا منكم ملئكة فى الارض يخلفون * وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هاذا صراط مستقيم * ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين * ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولابين لكم بعض الذى تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون * إن الله هو ربى وربكم فاعبدوه هاذا صراط مستقيم * فاختلف الاحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم * هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون * الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين * ياعباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون * الذين ءامنوا بئاياتنا وكانوا مسلمين * ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون * يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب
(٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 ... » »»