تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٤٦
الجمهور، لكن يتأول على أن ينصب بفعل محذوف تقديره يجزى قوما، فيكون جملتان، إحداهما: ليجزي الجزاء قوما، والأخرى: يجزيه قوما؛ وقوما هنا يعني به الغافرين، ونكره على معنى التعظيم لشأنهم، كأنه قيل: قوما، أي قوم من شأنهم التجاوز عن السيئات والصفح عن المؤذيات وتحمل الوحشة. وقيل: هم الذين لا يرجون أيام الله، أي بما كانوا يكسبون من الإثم، كأنه قيل: لم تكافئوهم أنتم حتى نكافئهم نحن.
* (من عمل صالحا) * كهؤلاء الغافرين، * (ومن أساء) * كهؤلاء الكفار، وأتى باللام في فلنفسه، لأن المحاب والحظوظ تستعمل فيها على الدالة على العلو والقهر، كما تقول: الأمور لزيد متأتية وعلى عمرو مستصعبة. والكتاب: التوراة، والحكم: القضاء، وفصل الأمور لأن الملك كان فيهم. قيل: والحكم: الفقه. ويقال: لم يتسع فقه الأحكام على نبي، كما اتسع على لسان موسى من الطيبات المستلذات الحلال، وبذلك تتم النعمة، وذلك المن والسلوى وطيبات الشام، إذ هي الأرض المباركة. بينات: أي دلائل واضحة من الأمر، أي من الوحي الذي فصلت به الأمور. وعن ابن عباس: من الأمر، أي من أمر النبي صلى الله عليه وسلم)، وأنه يهاجر من تهامة إلى يثرب. وقيل معجزات موسى. * (فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم) *: تقدم تفسيره في الشورى.
* (ثم جعلناك على شريعة من الامر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون * إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولى المتقين * هاذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون * ما يحكمون * وخلق الله السماوات والارض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون * أفرأيت من * وخلق الله * السماوات والارض بالحق * ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون * أفرأيت من اتخذ إلاهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من) *.
لما ذكر تعالى إنعامه على بني إسرائيل واختلافهم بعد ذلك، ذكر حال نبيه عليه الصلاة والسلام وما من به عليه من اصطفائه فقال: * (ثم جعلناك على شريعة من الامر فاتبعها ولا تتبع أهواء) *. قال قتادة: الشريعة: الأمر، والنهي، والحدود، والفرائض. وقال مقاتل: البينة، لأنها طريق إلى الحق. وقال الكلبي: السنة، لأنه كان يستن بطريقة من قبله من الأنبياء. وقال ابن زيد: الدين، لأنه طريق إلى النجاة. والشريعة في كلام العرب: الموضع الذي يرد فيه الناس في الأنهار والمياه، ومنه قول الشاعر:
* وفي الشرائع من جيلان مقتص * رث الثياب خفي الشخص منسرب *
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»