تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٣٠٥
الفارسي: يجوز أن يعمل فيها عتل وأن كان قد وصف. انتهى، وهذا قول كوفي، ولا يجوز ذلك عند البصريين. وقيل: * (زنيم) * لا سيما على قول من فسره بالقبيح الأفعال. وقال الزمخشري: متعلق بقوله: * (ولا تطع) *، يعنى ولا تطعه مع هذه المثالب، * (لان * كان ذا مال) *: أي ليساره وحظه من الدنيا، ويجوز أن يتعلق بما بعده على معنى لكونه متمولا مستظهرا بالبنين، كذب آياتنا ولا يعمل فيه، قال الذي هو جواب إذا، لأن ما بعد الشرط لا يعمل فيما قبله، ولكن ما دلت عليه الجملة من معنى التكذيب. انتهى. وأما على الاستفهام، فيحتمل أن يفسر عامل يدل عليه ما قبله، أي أيكون طواعية لأن كان؟ وقدره الزمخشري: أتطيعه لأن كان؟ أو عامل يدل عليه ما قبله، أي أكذب أو جحد لأن كان؟ وقرأ نافع في رواية اليزيدي عنه: إن كان بكسر الهمزة. قال الزمخشري: والشرط للمخاطب، أي لا تطع كل حلاف شارطا يساره، لأنه إذا أطاع الكافر لغناه، فكأنه اشترط في الطاعة الغنى، ونحو صرف الشرط إلى المخاطب صرف الرجاء إليه في قوله: * (لعله * يذكر) *. انتهى. وأقوال: إن كان شرط، وإذا تتلى شرط، فهو مما اجتمع فيه شرطان، وليسا من الشروط المترتبة الوقوع، فالمتأخر لفظا هو المتقدم، والمتقدم لفظا هو شرط في الثاني، كقوله:
* فإن عثرت بعدها إن والت * نفسي من هاء تاء فقولا لها لها * لأن الحامل على ترك تدبر آيات الله كونه ذا مال وبنين، فهو مشغول القلب، فذلك غافل عن النظر والفكر، قد استولت عليه الدنيا وأبطرته. وقرأ الحسن: أئذا على الاستفهام، وهو استفهام تقريع وتوبيخ على قوله القرآن أساطير الأولين لما تليت عليه آياته الله. ولما ذكر قبائح أفعاله وأقواله، ذكر ما يفعل به على سبيل التوعد فقال: * (سنسمه على الخرطوم) *، والسمة: العلامة. ولما كان الوجه أشرف ما في الإنسان، والأنف أكرم ما في الوجه لتقدمه، ولذلك جعلوه مكان العز والحمية، واشتقوا منه الأنفة وقالوا: حمي الأنف شامخ العرنين. وقالوا في الذليل: جدع أنفه، ورغم أنفه. وكان أيضا مما تظهر السمات فيه لعلو، قال: * (سنسمه على الخرطوم) *، وهو غاية الإذلال والإهانة والاستبلاد، إذ صار كالبهيمة لا يملك الدفع عن وسمه في الأنف، وإذا كان الوسم في الوجه شينا، فكيف به على أكرم عضو فيه؟ وقد قيل: الجمال في الأنف، وقال بعض الأدباء:
* وحسن الفتى في الأنف والأنف عاطل * فكيف إذا ما الخال كان له حليا * وسنسمه فعل مستقبل لم يتعين زمانه. وقال ابن عباس: هو الضرب بالسيف، أي يضرب به وجهه وعلى أنفه، فيجيء ذلك كالوسم على الانف، وحل به ذلك يوم بدر. وقال المبرد: ذلك في عذاب الآخرة في جهنم، وهو تعذيب بنار على أنوفهم. وقال آخرون: ذلك يوم القيامة، أي نوسم على أنفه بسمة يعرف بها كفره وانحطاط قدره. وقال قتادة وغيره: معناه سنفعل به في الدنيا من الذم والمقت والاشتهار بالشر ما يبقى فيه ولا يخفى به، فيكون ذلك كالوسم على الأنف ثابتا بينا، كما تقول: سأطوقك طوق الحمامة: أي أثبت لك الأمر بينا فيك، ونحو هذا أراد جرير بقوله:
لما وضعت على الفرزدق ميسمي وفي الوسم على الأنف تشويه، فجاءت استعارته في المذمات بليغة جدا. قال ابن عطية: وإذا تأملت حال أبي جهل ونظرائه، وما ثبت لهم في الدنيا من سوء الأخروية، رأيت أنهم قد وسموا على الخراطيم. انتهى. وقال أبو العالية ومقاتل، واختاره الفراء: يسود وجهه قبل دخول النار، وذكر الخرطوم، والمراد الوجه، لأن بعض الوجه يؤدي عن
(٣٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 ... » »»