والظاهر عوده على مصابيح. ونسب الرجم إليها، لأن الشهاب المتبع للمسترق منفصل من نارها، والكواكب قار في ملكه على حاله. فالشهاب كقبس يؤخذ من النار، والنار باقية لا تنقص. والظاهر أن الشياطين هم مسترقو السمع، وأن الرجم هو حقيقة يرمون بالشهب، كما تقدم في سورة الحجر وسورة والصافات. وقيل: معنى رجوما: ظنونا لشياطين الإنس، وهم المنجمون ينسبون إلى النجوم أشياء على جهة الظن من جهالهم، والتمويه والاختلاق من أزكيائهم، ولهم في ذلك تصانيف تشتمل على خرافات يموهون بها على الملوك وضعفاء العقول، ويعملون موالد يحكمون فيها بالأشياء لا يصح منها شيء. وقد وقفنا على أشياء من كذبهم في تلك الموالد، وما يحكونه عن أبي معشر وغيره من شيوخ السوء كذب يغرون به الناس الجهال. وقال قتادة: خلق الله تعالى النجوم زينة للسماء ورجوما للشياطين، وليهتدي بها في البر والبحر؛ فمن قال غير هذه الخصال الثلاث فقد تكلف وأذهب حظه من الآخرة. والضمير في لهم عائد على الشياطين.
وقرأ الجمهور: * (عذاب جهنم) * برفع الباء؛ والضحاك والأعرج وأسيد بن أسيد المزني والحسن في رواية هارون عنه: بالنصب عطفا على * (عذاب السعير) *، أي وأعتدنا للذين كفروا عذاب جهنم. * (إذا ألقوا فيها) *: أي طرحوا، كما يطرح الحطب في النار العظيمة ويرمى به، ومثله حصب جهنم، * (سمعوا لها) *: أي لجهنم، * (شهيقا) *: أي صوتا منكرا كصوت الحمار، تصوت مثل ذلك لشدة توقدها وغليانها. ويحتمل أن يكون على حذف مضاف، أي سمعوا لأهلها، كما قال تعالى: * (لهم فيها زفير وشهيق) *. * (وهى تفور) *: تغلي بهم غلي المرجل. * (تكاد تميز) *: أي ينفصل بعضها من بعض لشدة اضطرابها، ويقال: فلان يتميز من الغيظ إذا وصفوه بالإفراط في الغضب. وقرأ الجمهور: * (تميز) * بتاء واحدة خفيفة، والبزي يشددها، وطلحة: بتاءين، وأبو عمرو: بإدغام الدال في التاء، والضحاك: تمايز على وزن تفاعل، وأصله تتمايز بتاءين؛ وزيد بن علي وابن أبي عبلة: تميز من ماز من الغيظ على الكفرة، جعلت كالمغتاظة عليهم لشدة غليانها بهم، ومثل هذا في التجوز قول الشاعر:
* في كلب يشتد في جريه * يكاد أن يخرج من إهابه * وقولهم: غضب فلان، فطارت منه شقة في الأرض وشقة في السماء إذا أفرط في الغضب. ويجوز أن يراد من غيظ الزبانية. * (كلما ألقى فيها فوج) *: أي فريق من الكفار، * (سألهم خزنتها) *: سؤال توبيخ وتقريع، وهو مما يزيدهم عذابا إلى عذابهم، وخزنتها: مالك وأعوانها، * (ألم يأتكم نذير) *: ينذركم بهذا اليوم، * (قالوا بلى) *: اعتراف بمجيء النذر إليهم. قال الزمخشري: اعتراف منهم بعدل الله، وإقرار بأنه عز وعلا أزاح عللهم ببعثة الرسل وإنذارهم فيما وقعوا فيه، وأنهم لم يؤتوا من قدره كما تزعم المجبرة، وإنما أتوا من قبل أنفسهم واختيارهم، خلاف ما اختار الله وأمر به وأوعد على ضده. انتهى، وهو على طريق المعتزلة. والظاهر أن قوله: * (إن أنتم إلا فى ضلال كبير) *، من قول الكفار للرسل الذين جاءوا نذرا إليهم، أنكروا أولا أن الله نزل شيئا، واستجهلوا ثانيا من أخبر بأنه تعالى أرسل إليهم الرسل، وأن قائل ذلك في حيرة عظيمة. ويجوز أن يكون من قول الخزنة للكفار إخبارا لهم وتقريعا بما كانوا عليه في الدنيا. أرادوا بالضلال الهلاك الذي هم فيه، أوسموا عقاب الضلال ضلالا لما كان ناشئا عن الضلال. وقال الزمخشري: أو من كلام الرسل لهم حكوه للخزنة، أي قالوا لنا هذا فلم نقبله. انتهى. فإن كان الخطاب في * (إن أنتم) * للرسل، فقد يراد به الجنس، ولذلك جاء الخطاب بالجمع. * (وقالوا) *: أي للخزنة حين حاوروهم، * (لو كنا نسمع) * سماع طالب للحق، * (أو نعقل) *. عقل متأمل له، لم نستوجب الخلود في النار. * (فاعترفوا بذنبهم) *: أي بتكذيب الرسل، * (فسحقا) *: أي فبعدا لهم، وهو دعاء عليهم، والسحق: البعد، وانتصابه على المصدر: أي سحقهم الله سحقا، قال الشاعر: