بعض. وقال أبو عبد الله الرازي: إنما بالغ الكافر في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم) بسبب الأنفة والحمية، فلما كان شاهد الإنكار هو الأنفة والحمية، عبر عن هذا الاختصاص بقوله: * (سنسمه على الخرطوم) *. انتهى كلامه. وفي استعارة الخرطوم مكان الأنف استهانة واستخفاف، لأن حقيقة الخرطوم هو للسباع. وتلخص من هذا أن قوله: * (سنسمه على الخرطوم) *، أهو حقيقة أم مجاز؟ وإذا كان حقيقة، فهل ذلك في الدنيا أو في الآخرة؟ وأبعد النضر بن شميل في تفسيره الخرطوم بالخمر، وأن معناه سنحده على شربها.
ولما ذكر المتصف بتلك الأوصاف الذميمة، وهم كفار قريش، أخبر تعالى بما حل بهم من الابتلاء بالقحط والجوع بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم): (اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف) الحديث، كما بلونا أصحاب الجنة المعروف خبرها عندهم. كانت بأرض اليمين بالقرب منهم قريبا من صنعاء لرجل كان يؤدي حق الله منها، فمات فصارت إلى ولده، فمنعوا الناس خيرها وبخلوا بحق الله تعالى، فأهلكها الله تعالى من حيث لم يمكنهم دفع ما حل بهم. وقيل: كانت بصوران على فراسخ من صنعاء لناس بعد رفع عيسى عليه السلام، وكان صاحبها ينزل للمساكنين ما أخطأه المنجل وما في أسفل الأكراس وما أخطاه القطاف من العنب وما بقي على السباط تحت النخلة إذا صرمت، فكان يجتمع لهم شيء كثير. فلما مات قال بنوه: إن فعلنا ما كان يفعل أبونا ضاق علينا الأمر ونحن أولو عيال، فحلفوا * (ليصرمنها مصبحين) * في السدف خفية من المساكين، ولم يستثنوا في يمينهم؛ والكاف في * (كما بلونا) * في موضع نصب، وما مصدرية. وقيل: بمعنى الذي، وإذ معمول لبلوناهم ليصرمنها جواب القسم لا على منطوقهم، إذ لو كان على منطوقهم لكان لنصرمنها بنون المتكلمين، والمعنى: ليجدن ثمرها إذا دخلوا في الصباح قبل خروج المساكين إلى عادتهم مع أبيهم. * (ولا يستثنون) *: أي ولا ينثنون عن ما عزموا عليه من منع المساكين. وقال مجاهد: معناه: لا يقولون إن شاء الله، بل عزموا على ذلك عزم من يملك أمره. وقال الزمخشري، متبعا قول مجاهد: ولا يقولون إن شاء الله. فإن قلت: لم سمي استثناء، وإنما هو شرط؟ قلت: لأنه يؤدي مؤدى الاستثناء من حيث أن معنى قولك: لأخرجن إن شاء الله، ولا أخرج إلا أن يشاء الله واحد. انتهى.
* (فطاف عليها طائف) *، قرأ النخعي: طيف. قال الفراء: والطائف: الأمر الذي يأتي بالليل، ورد عليه بقوله: * (إذا مسهم طئف من الشيطان) *، فلم يتخصص بالليل، وطائف مبهم. فقيل: هو جبريل عليه السلام، اقتلعها وطاف بها حول البيت، ثم وضعها حيث مدينة الطائف اليوم، ولذلك سميت بالطائف، وليس في أرض الحجاز بلدة فيها الماء والشجر والأعناب غيرها. وقال ابن عباس: طائف من أمر ربك. وقال قتادة: عذاب من ربك. وقال ابن جرير: عنق خرج من وادي جهنم. * (فأصبحت كالصريم) *، قال ابن عباس: كالرماد الأسود، والصريم: الرماد الأسود بلغة خزيمة، وعنه أيضا: الصريم رملة باليمن معروفة لا تنبت، فشبه جنتهم بها. وقال الحسن: صرم عنها الخير، أي قطع. فالصريم بمعنى مصروم. وقال الثوري: كالصبح من حيث ابيضت كالزرع المحصود. وقال مورج: كالرملة انصرمت من معظم الرمل، والرملة لا تنبت شيئا ينفع. وقال الأخفش: كالصبح انصرم من الليل. وقال المبرد: كالنهار فلا شيء فيها. وقال شمر: الصريم: الليل، والصريم: النهار، أي ينصرم هذا عن ذاك، وذاك عن هذا. وقال الفراء والقاضي منذر بن سعيد وجماعة: الصريم: الليل من حيث اسودت جنتهم. * (فتنادوا) *: دعا بعضهم بعضا إلى المضي إلى ميعادهم، * (أن اغدوا على حرثكم) *. قال الزمخشري: فإن قلت: هلا قيل * (اغدوا * إلى * حرثكم) *، وما معنى على؟ قلت: لما كان الغدو إليه ليصرموه ويقطعوه كان غدوا عليه، كما تقول: غدا عليهم العدو. ويجوز أن يضمن الغد ومعنى الإقبال، كقولهم: يغدي عليه بالجفنة ويراح، أي فاقبلوا على حرثكم باكرين. انتهى. واستسلف الزمخشري أن غدا يتعدى بإلى، ويحتاج ذلك إلى نقل بحيث يكثر ذلك فيصير أصلا فيه ويتأول ما خالفه، والذي في حفظي أنه معدى بعلى، كقول الشاعر: