تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٣٠٧
* بكرت عليه غدوة فرأيته * قعودا عليه بالصريم عواذله * * (إن كنتم صارمين) *: الظاهر أنه من صرام النحل. قيل: ويحتمل أن يريد: إن كنتم أهل عزم وإقدام على رأيكم، من قولك: سيف صارم. * (يتخافتون) *: يخفون كلامهم خوفا من أن يشعر بهم المساكين. * (أن لا يدخلنها) *: أي يتخافتون بهذا الكلام وهو لا يدخلنها، وأن مصدرية، ويجوز أن تكون تفسيرية. وقرأ عبد الله وابن أبي عبلة: لا يدخلنها، بإسقاط أن على إضمار يقولون، أو على إجراء يتخافتون مجرى القول، إذ معناه: يسارون القول والنهي عن الدخول. نهى عن التمكين منه، أي لا تمكنوهم من الدخول فيدخلوا. * (وغدوا على حرد قادرين) *: أي على قصد وقدوة في أنفسهم، يظنون أنهم تمكنوا من مرادهم. قال معناه ابن عباس، أي قاصدين إلى جنتهم بسرعة، قادرين عند أنفسهم على صرامها. قال أبو عبيدة والقتبي: * (على حرد) *: على منع، أي قادرين في أنفسهم على منع المساكين من خيرها، فجزاهم الله بأن منعهم خيرا. وقال الحسن: * (على حرد) *، أي حاجة وفاقة. وقال السدي وسفيان: * (على حرد) *: على غضب، أي لم يقدروا إلا على حنق وغضب بعضهم على بعض. وقيل: * (على حرد) *: على انفراد، أي انفردوا دون المساكين. وقال الأزهري: حرد اسم قريتهم. وقال السدي: اسم جنتهم، أي غدوا على تلك الجنة قادرين على صرامها عند أنفسهم، أو مقدرين أن يتم لهم مرادهم من الصرام. قيل: ويحتمل أن يكون من التقدير بمعنى التضييق لقوله تعالى: * (ومن قدر عليه رزقه) *، أي مضيقين على المساكين، إذ حرموهم ما كان أبوهم ينيلهم منها.
* (فلما رأوها) *: أي على الحالة التي كانوا غدوها عليها، من هلاكها وذهاب ما فيها من الخير، * (قالوا إنا لضالون) *: أي عن الطريق إليها، قاله قتادة. وذلك في أول وصولهم أنكروا أنها هي، واعتقدوا أنهم أخطأوا الطريق إليها، ثم وضح لهم أنها هي، وأنه أصابها من عذاب الله ما أذهب خيرها. وقيل: لضالون عن الصواب في غدونا على نية منع المساكين، فقالوا: * (بل نحن محرومون) * خيرها بخيانتنا على أنفسنا. * (قال أوسطهم) *: أي أفضلهم وأرجحهم عقلا، * (ألم أقل لكم لولا تسبحون) *: أنبهم ووبخهم على تركهم ما حضهم عليه من تسبيح الله، أي ذكره وتنزيهه عن السوء، ولو ذكروا الله وإحسانه إليهم لامتثلوا ما أمر به من مواساة المساكين واقتفوا سنة أبيهم في ذلك. فلما غفلوا عن ذكر الله تعالى وعزموا على منع المساكين، ابتلاهم الله، وهذا يدل على أن أوسطهم كان قد تقدم إليهم وحرضهم على ذكر الله تعالى. وقال مجاهد وأبو صالح: كان استثناؤهم سبحان الله. قال النحاس: جعل مجاهد التسبيح موضع إن شاء الله، لأن المعنى تنزيه الله أن يكون شيء إلا بمشيئته. وقال الزمخشري: لالتقائهما في معنى التعظيم لله، لأن الاستثناء تفويض إليه، والتسبيح تنزيه له، وكل واحد من التفويض والتنزيه تعظيم له.
وقيل: * (لولا تسبحون) *: تستغفرون.
ولما انبهم، رجعوا إلى ذكر الله تعالى، واعترفوا على أنفسهم بالظلم، وبادروا إلى تسبح الله تعالى فقالوا: * (سبحان ربنا) *. قال ابن عباس: أي نستغفر الله من ذنبنا. ولما أقروا بظلمهم، لام بعضهم بعضا، وجعل اللوم في حيز غيره، إذ كان منهم من زين، ومنهم من قبل، ومنهم من أمر بالكف، ومنهم من عصى الأمر. ومنهم من سكت على رضا منه. ثم اعترفوا بأنهم طغوا، وترجوا انتظار الفرج في أن يبدلهم خيرا من تلك الجنة، * (عسى ربنا أن يبدلنا) *: أي بهذه الجنة، * (خير منها) *: وتقدم الكلام في الكهف، والخلاف في تخفيف يبدلنا، وتثقيلها منسوبا إلى القراء. * (إنا إلى ربنا راغبون) *: أي طالبون إيصال الخير إلينا منه. والظاهر أن أصحاب هذه الجنة كانوا مؤمنين أصابوا معصية وتابوا. وقيل: كانوا من أهل الكتاب. وقال عبد الله بن مسعود: بلغني أن القوم دعوا الله وأخلصوا، وعلم الله منهم الصدق فأبدلهم بها جنة، وكل عنقود منها كالرجل الأسود القائم. وعن مجاهد: تابوا فأبدوا خيرا منها. وقال القشيري: المعظم يقولون أنهم تابوا
(٣٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 312 ... » »»