تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٣١٦
* (كذبت ثمود بطغواها) *. وقيل: الطاغية: عاقر الناقة، والهاء فيه للمبالغة، كرجل راوية، وأهلكوا كلهم لرضاهم بفعله. وقيل: بسبب الفئة الطاغية. واختار الطبري وغيره أن الطاغية هي الصيحة، وترجيح ذلك مقابله سبب الهلاك في ثمود بسبب الهلاك في عاد، وهو قوله: * (بريح صرصر) *، وتقدم القول في * (صرصر) * في سورة القمر، * (عاتية) *: عتت على خزانها فخرجت بغير مقدار، أو على عاد فما قدروا على أن يتستروا منها، أو وصفت بذلك استعارة لشدة عصفها، والتسخير هو استعمال الشيء باقتدار عليه. فمعنى * (سخرها عليهم) *: أي أقامها وأدامها، * (سبع ليال) *: بدت عليهم صبح الأربعاء لثمان بقين من شوال إلى آخر الأربعاء تمام الشهر، * (حسوما) *، قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة وأبو عبيدة: تباعا لم يتخللها انقطاع. وقال الخليل: شؤما ونحسا. وقال ابن زيد: * (حسوما) * جمع حاسم، أي تلك الأيام قطعتهم بالإهلاك، ومنه حسم العلل والحسام. وقال الزمخشري: وإن كان مصدرا، فإما أن ينتصب بفعل مضمر، أي تحسم حسوما بمعنى تستأصل استئصالا، أو تكون صفة، كقولك: ذات حسوم، أو تكون مفعولا له، أي سخرها عليهم للاستئصال. وقرأ السدي: حسوما بالفتح: حالا من الريح، أي سخرها عليهم مستأصلة. وقيل: هي أيام العجز، وهي آخر الشتاء. وأسماؤها: الصين والصنبر والوبر والآمر والمؤتمر والمعلل ومصفى الجمر. وقيل: مكفى الطعن.
* (فترى القوم فيها) *: أي في الليالي والأيام، أو في ديارهم، أو في مهاب الريح؛ احتمالات أظهرها الأول لأنه أقرب ومصرح به. وقرأ أبو نهيك: أعجز، على وزن أفعل، كضبع وأضبع. وحكى الأخفش أنه قرىء: نخيل خاوية خلت أعجازها بلى وفسادا. وقال ابن شجرة: كانت تدخل من أفواههم فتخرج ما في أجوافهم من الحسو من أدبارهم، فصاروا كالنخل الخاوية. وقال يحيى بن سلام: خلت أبدانهم من أرواحهم. وقال ابن جريج: كانوا في سبعة أيام في عذاب، ثم في الثامن ماتوا وألقتهم الريح في البحر، فذلك قوله: * (فهل ترى لهم من باقية) *. وقال ابن الأنباري: * (من باقية) *: أي من باق، والهاء للمبالغة. وقال أيضا: من فئة باقية. وقيل: * (من باقية) *: من بقاء مصدر جاء على فاعلة كالعاقبة. وقرأ أبو رجاء وطلحة والجحدري والحسن بخلاف عنه؛ وعاصم في رواية أبان، والنحويان: ومن قبله، بكسر القاف وفتح الباء: أي أجناده وأهل طاعته، وتقول: زيد قبلك: أي فيما يليك من المكان. وكثر استعمال قبلك حتى صار بمنزلة عندك وفي جهتك وما يليك بأي وجه ولي. وقرأ باقي السبعة وأبو جعفر وشيبة والسلمي: * (ومن قبله) *، ظرف زمان: أي الأمم الكافرة التي كانت قبله، كقوم نوح، وقد أشار إلى شيء من حديثه بعد هذا. * (والمؤتفكات) *: قرى قوم لوط. وقرأ الحسن هنا: والمؤتفكة على الإفراد، * (بالخاطئة) *: أي بالفعلة أو الفعلات الخاطئة، قاله مجاهد؛ أو بالخطأ، فيكون مصدرا جاء على فاعلة كالعاقبة، قاله الجرجاني.
* (فعصوا رسول ربهم) *: رسول جنس، وهو من جاءهم من عند الله تعالى، كموسى ولوط عليهما السلام. وقيل: لوط عليه السلام، أعاده على أقرب مذكور، وهو رسول المؤتفكات. وقال الكلبي: موسى عليه السلام، أعاده على الأسبق وهو رسول فرعون. وقيل: رسول بمعنى رسالة، * (رابية) *: أي نامية. قال مجاهد: شديدة، يريد أنها زادت على غيرها من الأخذات، وهي الغرق وقلب المدائن. * (إنا لما * طغى * الماء) *: أي زاد وعلا على أعلى جبل في الدنيا خمس عشرة ذراعا. قال ابن جبير: طغى على الخزان، كما طغت الريح على خزانها، * (حملناكم) *: أي في أصلاب آبائكم، * (فى الجارية) *: هي سفينة نوح عليه السلام، وكثر استعمال الجارية في السفينة، ومنه قوله تعالى: * (ومن ءاياته الجوار فى البحر كالاعلام) *، وقال الشاعر:
تسعون جارية في بطن جارية وقال المهدوي: المعنى في السفن الجارية يعني أن ذلك هو على سبيل الامتنان، والمحمولون هم المخاطبون.
(٣١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 ... » »»