تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٣٠٩
في علينا. وقال ابن عطية: حال من نكرة لأنها مخصصة تغليبا. * (إن لكم لما تحكمون) *: جواب القسم، لأن معنى * (أم لكم أيمان علينا) *: أم أقسمنا لكم، قاله الزمخشري. وقرأ الأعرج: أإن لكم علي، كالتي قبلها على الاستفهام. * (سلهم أيهم بذالك زعيم) *: أي ضامن بما يقولونه ويدعون صحته، وسل معلقة عن مطلوبها الثاني، لما كان السؤال سببا لحصول العلم جاز تعليقه كالعلم، ومطلوبها الثاني أصله أن يعدى بعن أو بالباء، كما قال تعالى: * (يسئلونك عن الشهر الحرام) *، وقال الشاعر:
* فإن تسألوني بالنساء فإنني * عليم بأدواء النساء طبيب * ولو كان غير اسم استفهام لتعدى إليه بعن أو بالباء، كما تقول: سل زيدا عن من ينظر في كذا، ولكنه علق سلهم، فالجملة في موضع نصب. وقرأ الجمهور: * (أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم) *؛ وعبد الله وابن أبي عبلة: فليأتوا بشركهم، قيل: والمراد في القراءتين الأصنام أو ناس يشاركونهم في قولهم ويوافقونهم فيه، أي لا أحد يقول بقولهم، كما أنه لا كتاب لهم، ولا عهد من الله، ولا زعيم بذلك، * (فليأتوا بشركائهم) *: هذا استدعاء وتوقيف. قيل: في الدنيا أي ليحضروهم حتى ترى هل هم بحال من يضر وينفع أم لا. وقيل: في الآخرة، على أن يأتوا بهم.
* (يوم يكشف عن ساق) *: وعلى هذا القول الناصب ليوم فليأتوا. وقيل: اذكر، وقيل التقدير: يوم يكشف عن ساق كان كيت وكيت، وحذف للتهويل العظيم بما يكون فيه من الحوادث؛ والظاهر وقول الجمهور: إن هذا اليوم هو يوم القيامة. وقال أبو مسلم: هذا اليوم هو في الدنيا لأنه قال: * (ويدعون إلى السجود) *، ويوم القيامة ليس فيه تعبد ولا تكليف، بل المراد منه إما آخر أيام الرجل في دنياه لقوله: * (يوم يرون الملئكة لا بشرى) *، ثم يرى الناس يدعون إلى الصلاة إذا حضرت أوقاتها، فلا يستطيع الصلاة لأنه الوقت الذي لا ينفع فيه نفسا إيمانها؛ وإما حال المرض والهرم والمعجزة. * (وقد كانوا) * قبل ذلك اليوم، * (يدعون إلى السجود وهم سالمون) * مما بهم الآن. فذلك إما لشدة النازلة بهم من هول ما عاينوا عند الموت، وإما من العجز والهرم. وأجيب بأن الدعاء إلى السجود ليس على سبيل التكليف، بل على سبيل التقريع والتخجيل. وعند ما يدعون إلى السجود، سلبوا القدرة عليه، وحيل بينهم وبين الاستطاعة حتى يزداد حزنهم وندامتهم على ما فرطوا فيه حين دعوا إليه وهم سالمون الأطراف والمفاصل. وقرأ الجمهور: * (يكشف) * بالياء مبنيا للمفعول. وقرأ عبد الله بن أبي عبلة: بفتح الياء مبنيا للفاعل؛ وابن عباس وابن مسعود أيضا وابن هرمز: بالنون؛ وابن عباس: يكشف بفتح الياء منبيا للفاعل؛ وعنه أيضا بالياء مضمومة مبنيا للمفعول. وقرئ: يكشف بالياء المضمومة وكسر الشين، من أكشف إذا دخل في الكشف، ومنه أكشف الرجل: انقلبت شفته العليا، وكشف الساق كناية عن شدة الأمر وتفاقمه. قال مجاهد: هي أول ساعة من يوم القيامة وهي أفظعها. ومما جاء في الحديث من قوله: (فيكشف لهم عن ساق)، محمول أيضا على الشدة في ذلك اليوم، وهو مجاز شائع في لسان العرب. قال حاتم:
* أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها * وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا * وقال الراجز:
* عجبت من نفسي ومن إشفاقها * ومن طرادي الخيل عن أرزاقها *
(٣٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 ... » »»