تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ١٩
وقتادة: المتوعد هم الأمة، أكرم الله تعالى نبيه عن أن ينتقم منهم في حياته، كما انتقم من أمم الأنبياء في حياتهم، فوقعت النقمة منهم بعد موته عليه السلام في العين الحادثة في صدر الإسلام، مع الخوارج وغيرهم. وقرئ: نرينك بالنون الخفيفة. ولما ردد تعالى بين حياته وموته صلى الله عليه وسلم)، أمره بأن يستمسك بما أوحاه إليه. وقرأ الجمهور: أوحى مبنيا للمفعول، وبعض قراء الشام: بإسكان الياء، والضحاك: مبنيا للفاعل، وأنه، أي وإن ما أوحينا إليك، * (لذكر لك ولقومك) *: أي شرف، حيث نزل عليهم وبلسانهم، جعل تبعا لهم. والقوم على هذا قريش ثم العرب، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي وابن زيد. كان عليه السلام يعرض نفسه على القبائل، فإذا قالوا له: لمن يكون الأمر بعدك؟ سكت، حتى نزلت هذه الآية. فكان إذا سئل عن ذلك قال: (لقريش)، فكانت العرب لا تقبل حتى قبلته الأنصار. وقال الحسن: القوم هنا أمته، والمعنى: وإنه لتذكرة وموعظة. قيل: وهذه الآية تدل على أن الإنسان يرغب في الثناء الحسن الجميل، ولو لم يكن ذلك مرغوبا فيه، ما امتن به تعالى على رسوله فقال: * (وإنه لذكر لك ولقومك) *. وقال إبراهيم عليه السلام: * (واجعل لى لسان صدق فى الاخرين) *. والذكر الجميل قائم مقام الحياة، بل هو أفضل من الحياة، لأن أثر الحياة لا يحصل إلا في الحي، وأثر الذكر الجميل يحصل في كل مكان، وفي كل زمان. انتهى. وقال ابن دريد:
* وإنما المراد حديث بعده * فكن حديثا حسنا لمن وعى * وقال الآخر:
* إنما الدنيا محاسنها * طيب ما يبقى من الخبر * وذكر أن هلاون، ملك التتر، سأل أصحابه: من الملك؟ فقالوا: أنت الذي دوخت البلاد وملكت الأرض وطاعت لك الملوك. فقال: لا الملك هذا، وكان المؤذن إذ ذاك يؤذن، هذا الذي له أزيد من ستمائة سنة، قد مات وهو يذكر على المآذن في كل يوم خمس مرات؟ يريد محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم). * (وسوف تسئلون) *، قال الحسن عن شكر هذه النعمة. وقال مقاتل: المراد من كذب به يسأل سؤال توبيخ. * (واسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا) *، قيل: هو على ظاهره، وأن جبريل عليه السلام قال له ليلة الإسراء، حين أم بالأنبياء: * (واسئل من أرسلنا) *، فلم يسألهم، إذ كان أثبت يقينا، ولم يكن في شك. وروي ذلك عن ابن عباس، وابن جبير، والزهري، وابن زيد، وفي الأثر أن ميكال قال لجبريل: هل سأل محمد عن ذلك؟ فقال: هو أعظم يقينا وأوثق إيمانا من أن يسأله ذلك. وقال ابن عباس أيضا، والحسن، ومجاهد، وقتادة، والسدي، وعطاء: أرادوا سأل أتباع من أرسلنا وحملة شرائعهم، إذ يستحيل سؤال الرسل أنفسهم، وليسوا مجتمعين في الدنيا. قال الفراء: هم إنما يخبرونه عن كتب الرسل، فإذا سألهم، فكأنه سأل الرسل، والسؤال الواقع مجاز عن النظر، حيث لا
(١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»