تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٨ - الصفحة ٢١
مكان، كان الأمر واضحا؛ وإن قلنا ظرف زمان، كان الكلام على حذف، أي ففي الزمان حضور زيد. وما ادعاه الزمخشري من إضمار فعل المفاجأة، لم ينطق به ولا في موضع واحد. ثم المفاجأة التي ادعاها لا يدل المعنى على أنها تكون من الكلام السابق، بل المعنى يدل على أن المفاجأة تكون من الكلام الذي فيه إذا. تقول: خرجت فإذا الأسد، والمعنى: ففاجأني الأسد، وليس المعنى: ففاجأت الأسد.
* (وما نريهم من ءاية إلا هى أكبر من أختها) *، قال الزمخشري: فإن قلت: إذا جاءتهم آية واحدة من جملة التسع، فما أختها التي فضلت عليها في الكبر من بقية الآيات؟ قلت: أختها التي هي آية مثلها، وهذه صفة كل واحدة منهما، فكان المعنى على أنها أكبر من بقية الآيات. قلت: أختها التي هي آية مثلها على سبيل التفضيل والاستقراء، واحدة بعد واحدة، كما تقول: هو أفضل رجل رأيته، تريد تفضيله على أمة الرجال الذين رأيتهم إذا قدرتهم رجلا. فإن قلت: فهو كلام متناقض، لأن معناه: ما من آية من التسع إلا وهي أكبر من كل واحدة منها، فتكون كل واحدة منها فاضلة ومفضولة في حالة واحدة، قلت: الغرض بهذا الكلام أنهن موصوفات بالكبر، لا يكدن يتفاوتن فيه، وكذلك العادة في الأشياء التي تتلاقى في الفضل وتتقارب منازلهم فيه التقارب اليسير، إن تختلف آراء الناس في تفضيلها فيفضل بعضهم هذا وبعضهم ذاك، فعلى هذا بنى الناس كلامهم فقالوا: رأيت رجالا بعضهم أفضل من بعض، وربما اختلفت آراء الرجال الواحد فيها، فتارة يفضل هذا، وتارة يفضل ذاك، ومنه بيت الحماسة:
* من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم * مثل النجوم التي يسري بها الساري * وقد فاضلت الأنمارية بين الكملة من بنيها ثم قالت: لما أبصرت مراتبهم متدانية قليلة التفاوت، ثكلتهم إن كنت أعلم أيهم أفضل، هم كالحلقة المفرغة، لا يدري أين طرفاها. انتهى، وهو كلام طويل، ملخصه: أن الوصف بالأكبرية مجاز، وأن ذلك بالنسبة إلى الناظرين فيها. وقال ابن عطية: عبارة عن شدة موقعها في نفوسهم بحدة أمرها وحدوثه، وذلك أن آية عرضها موسى، هي العصا واليد، وكانت أكبر آياته، ثم كل آية بعد ذلك كانت تقع فيعظم عندها مجيئها وتكبر، لأنهم كانوا نسوا التي قبلها، فهذا كما قال الشاعر:
* على أنها تعفو الكلوم وإنما * يوكل بالأدنى وإن جل ما يمضي * وذهب الطبري إلى أن الآيات هنا الحجج والبينات. انتهى. وقيل: كانت من كبار الآيات، وكانت كل واحدة أكبر من التي قبلها؛ فعلى هذا يكون ثم صفة محذوفة، أي من أختها السابقة عليها، ولا يبقى في الكلام تعارض، ولا يكون ذلك الحكم في الآية الأولى، لأنه لم يسبقها شيء، فتكون أكبر منه. وقيل: الأولى تقتضي علما، والثانية تقتضي علما منضما إلى علم الأولى، فيزداد الرجوح. وكنى بأختها: مناسبتها، تقول: هذه الذرة أخت هذه، أي مناسبتها.
(٢١)
مفاتيح البحث: الزمخشري (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 ... » »»