بالقحط والقتل والسبي والجلاء. * (فانظر كيف كان عاقبة) * من كذبك. وقال ابن عطية في قال: ضمير يعود على النذير، وباقي الآية يدل على أن قل في قراءة من قرأها ليست بأمر لمحمد صلى الله عليه وسلم)، وإنما هي حكاية لما أمر به النذير. ولو: في هذا الموضع، كأنها شرطية بمعنى: إن، كان معنى الآية: أو إن جئتكم بأبين وأوضح مما كان عليه آباؤكم، يصحبكم لجاجكم وتقليدكم، فأجاب الكفار حينئذ من الأمم المكذبة بأنبيائها، كما كذبت بمحمد صلى الله عليه وسلم)، ولا يتعين ما قاله، بل الظاهر هو ما قدمناه.
* * (وإذ قال إبراهيم لابيه وقومه) *: وذكر العرب بحال جدهم الأعلى، ونهيه عن عبادة غير الله، وإفراده بالتوحيد والعبادة هزؤا لهم، ليكون لهم رجوع إلى دين جدهم، إذ كان أشرف آبائهم والمجمع على محبته، وأنه صلى الله عليه وسلم) لم يقلد أباه في عبادة الأصنام، فينبغي أن تقتدوا به في ترك تقليد آبائكم الأقربين، وترجعوا إلى النظر واتباع الحق. وقرأ الجمهور: برآء، مصدر يستوي فيه المفرد والمذكر ومقابلهما، يقال: نحن البراء منك، وهي لغة العالية. وقرأ الزعفراني والقورصي، عن أبي جعفر وابن المناذري، عن نافع: بضم الباء؛ والأعمش: برئ، وهي لغة نجد وشيخيه، ويجمع ويؤنث، وهذا نحو: طويل وطوال، وكريم وكرام. وقرأ الأعم 5: إني، بنون مشددة دون نون الوقاية؛ والجمهور: إنني، بنونين، الأولى مشددة. والظاهر أن قوله: * (إلا الذى فطرنى) * استثناء منقطع، إذ كانوا لا يعبدون الله مع أصنامهم. وقيل: كانوا يشركون أصنامهم معه تعالى في العبادة، فيكون استثناء متصلا. وعلى الوجهين، فالذي في موضع نصب، وإذا كان استثناء متصلا، كانت ما شاملة من يعلم ومن لا يعلم. وأجاز الزمخشري أن يكون الذي مجرورا بدلا من المجرور بمن، كأنه قال: إنني براء مما تعبدون، إلا من الذي. وأن تكون إلا صفة بمعنى: غير، على أن ما في ما تعبدون نكرة موصوفة تقديره: إنني براء من آلهة تعبدونها غير الذي فطرني، فهو نظير قوله: * (لو كان فيهما الهة إلا الله لفسدتا) *. انتهى. ووجه البدل لا يجوز، لأنه إنما يكون في غير الموجب من النفي والنهي والاستفهام. ألا ترى أنه يصلح ما بعد إلا لتفريغ العامل له؟ وإنني بريء، جملة موجبة، فلا يصلح أن يفرغ العامل فيها للذي هو بريء لما بعد إلا. وعن الزمخشري: كون بريء، فيه معنى الانتفاء، ومع ذلك فهو موجب لا يجوز أن يفرغ لما بعد إلا. وأما تقديره ما نكرة موصوفة، فلم يبقها موصولة، لاعتقاده أن إلا لا تكون صفة إلا لنكرة. وهذه المسألة فيها خلاف. من النحويين من قال: توصف بها النكرة والمعرفة، فعلى هذا تبقى ما موصولة، ويكون إلا في موضع الصفة للمعرفة، وجعله فطرني في صلة الذي. تنبيه على أنه لا يعبد ولا يستحق العبادة إلا الخالق للعباد.
* (فإنه سيهدين) *: أي يديم هدايتي، وفي مكان آخر: * (الذى خلقنى فهو يهدين) *، فهو هاديه في المستقبل. والحال والضمير في جعلها المرفوع عائد على إبراهيم، وقيل على الله. والضمير المنصوب عائد على كلمة التوحيد التي تكلم بها، وهي قوله: * (إننى براء مما تعبدون * إلا الذى فطرنى) *. وقال قتادة ومجاهد والسدي: لا إله إلا الله، وإن لم يجر لها ذكر، لأن اللفظ يتضمنها. وقال ابن زيد: كلمة الإسلام لقوله: * (ومن ذريتنا أمة مسلمة لك) *، * (إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت) *، * (هو سماكم المسلمين) *. وقرأ حميد بن قيس: كلمة، بكسر الكاف وسكون اللام. وقرئ: في عقبه، بسكون القاف، أي في ذريته. وقرئ: في عاقبه، أي من عقبه، أي خلقه. فلا يزال فيهم من يوحد الله ويدعو إلى توحيده. لعلهم: أي لعل من أشرك منهم يرجع بدعاء من وحد منهم. وقرأ الجمهور: بل متعت، بتاء المتكلم، والإشارة بهؤلاء لقريش ومن كان من عقب إبراهيم عليه السلام من العرب. لما قال: * (فى عقبه) *، قال تعالى: لكن متعت هؤلاء وأنعمت عليهم في كفرهم، فليسوا ممن تعقب كلمة التوحيد فيهم. وقرأ قتادة والأعمش: بل متعت، بتاء الخطاب، ورواها يعقوب عن نافع. قال صاحب اللوامح: وهي من مناجاة إبراهيم عليه السلام ربه تعالى. والظاهر أنه من مناجاة محمد صلى الله عليه وسلم)، أي: قال يا رب بل متعت. وقرأ الأعمش: متعنا، بنون العظمة، وهي تعضد قراءة الجمهور.
* (حتى جاءهم الحق) *، وهو القرآن؛ * (ورسول مبين) *، هو محمد صلى الله عليه وسلم). وقال الزمخشري: فإن قلت: فما وجه من قرأ: بل متعت، بفتح التاء؟ قلت: كأن الله تعالى اعترض على ذاته في قوله: * (وجعلها كلمة باقية فى