تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٢٥٨
في هذا الموضع مخالفة لسواد المصحف ولما روي عنهم، ذكرها المفسرون، أضرب عن ذكرها صفحا على عادتنا في ترك نقل الشاذ الذي يخالف للسواد مخالفة كثيرة.
* (لقد كان لسبإ فى * مساكنهم * جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة بلدة طيبة ورب غفور * فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجناتهم جنتين ذواتى أكل خمط وأثل وشىء من سدر قليل * ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجزى إلا الكفور * وجعلنا بينهم وبين القرى التى باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالى وأياما ءامنين * فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن فى ذلك لايات لكل صبار شكور (سقط: ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين) وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ)) *. لما ذكر تعالى حال الشاكرين لنعمه بذكر داود وسليمان، بين حال الكافرين بأنعمه بقصة سبأ، موعظة لقريش وتحذيرا وتنبيها على ما جرى لمن كفر أنعم الله، وتقدم الكلام في سبأ في النمل. ولما ملكت بلقيس، اقتتل قومها على ماء واديهم، فتركت ملكها وسكنت قصرها، وراودوها على أن ترجع فأبت فقالوا: لترجعن أو لنقتلنك، فقالت لهم: لا عقول لكم ولا تطيعوني، فقالوا: نطيعك، فرجعت إلى واديهم، وكانوا إذا مطروا، أتاهم السيل من مسيرة ثلاثة أيام، فأمرت به فسد ما بين الجبلين بمساءة بالصخر والقار، وحبست الماء من وراء السد، وجعلت له أبوابا بعضها فوق بعض، وبنت من دونه بركة فيها اثنان عشر مخرجا على عدد أنهارهم، وكان الماء يخرج لهم بالسوية إلى أن كان من شأنها مع سليمان، عليه السلام، ما سبق ذكره في سورة النمل. وقيل: الذي بنى لهم السد هو حمير أبو القبائل اليمنية. وعن الضحاك: كانوا في الفترة التي بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم). قيل: وكان لهم رئيس يلقب بالحمار، وكان في الفترة، فمات ولده فرفع رأسه إلى السماء فبزق وكفر، فلذا يقال في المثل: أكفر من حمار، ويقال: بركة جوف حمار، أي كوادي حمار، لما حال بهم السيل.
وقرأ الجمهور: * (فى مساكنهم) *، جمعا؛ والنخعي، وحمزة، وحفص: مفردا بفتح الكاف؛ والكسائي: مفردا بكسرها، وهي قراءة الأعمش وعلقمة. وقال أبو الحسن: كسر الكاف لغة فاشية، وهي لغة الناس اليوم؛ والفتح لغة الحجاز، وهي اليوم قليلة. وقال الفراء: هي لغة يمانية فصيحة، فمن قرأ الجمع فظاهر، لأن كل أحد له مسكن، ومن أفرد ينبغي أن يحمل على المصدر، أي في سكناهم، حتى لا يكون مفردا يراد به الجمع، لأن سيبويه يرى ذلك ضرورة نحو: كلوا في بعض بطنكم تعفوا، يريد بطونكم. وقوله:
قد عض أعناقهم جلد الجواميس
(٢٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 ... » »»