تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٢٥٤
هنا في الغدو وعن الرواح بالزمان وهو شهر، ويعني شهرا واحدا كاملا، ونصب شهر جائز، ولكنه لم يقرأ به فيما أعلم. وقرأ ابن أبي عبلة: غدوتها وروحتها على وزن فعلة، وهي المرة الواحدة من غدا وراح. وقال وهب: كان مستقر سليمان، عليه السلام، بتدمر، وكانت الجن قد بنتها له بالصفاح والعمد والرخام الأبيض والأشقر، وفيه يقول النابغة:
* ألا سليمان قد قال الإله له * قم في البرية فاصددها عن العبد وجيش الجن إني قد أذنت لهميبنون تدمر بالصفاح والعمد ووجدت أبياتا منقورة في صخرة بأرض يشكر شاهدة لبعض أصحاب سليمان، عليه السلام، وهي:
ونحن ولا حول سوى حول ربنانروح من الأوطان من أرض تدمر إذا نحن رحنا كان ريث رواحنامسيرة شهر والغد ولآخر * أناس أعز الله طوعا نفوسهم بنصر ابن داود النبي المطهر * * لهم في معاني الدين فضل ورفعة * وإن نسبوا يوما فمن خير معشر * وإن ركبوا الريح المطيعة أسرعت مبادرة عن يسرها لم تقصر * * تظلهم طير صفوف عليهم * متى رفرفت من فوقهم لم تنشر انتهى ما حكى وهب. * (وأسلنا له عين القطر) *: الظاهر أنه جعله له في معدنه عينا تسيل كعيون الماء، دلالة على نبوته. قال قتادة: يستعملها فيما يريد. وعن ابن عباس ومجاهد والسدي: أجريت له ثلاثة أيام بلياليهن، وكانت بأرض اليمن. قال مجاهد: سالت من صنعاء، ولم يذب النحاس فيما روي لأحد قبله، وكان لا يذوب. وقالت فرقة: المعنى أذبنا له النحاس على نحو ما كان الحديد يلين لداود، عليه السلام. قالوا: وكانت الأعمال تتأتى منه، وهو بارد دون نار، وعين بمعنى الذات. وقالوا: لم يكن أولا ذاب لأحد قبله. وقال الزمخشري: أراد بها معدن النحاس نبعا له، كما ألان الحديد لداود، فنبع كما ينبع الماء من العين، فلذلك سماه عين القطر باسم ما آل إليه، كما قال: * (إنى أرانى أعصر خمرا) *. انتهى ويحتمل * (من يعمل) * أن يكون في موضع نصب، أي وسخرنا من الجن من يعمل، وأن يكون في موضع رفع على الابتداء، وخبره في الجار والمجرور قبله * (بإذن ربه) * لقوله: * (ومن يزغ منهم عن أمرنا) *. وقرأ الجمهور: يزغ مضارع زاغ، أي ومن يعدل عن أمرنا الذي أمرناه به من طاعة سليمان. وقرئ: يزغ بضم الياء من أزاغ: أي ومن بملء ويصرف نفسه عن أمرنا. * (وعذاب * السعير) *: عذاب الآخرة، قاله ابن عباس. وقال السدي: كان معه ملك بيده سوط من نار، كلما استعصى عليه ضربه من حيث لا يراه الجني. ولبعض الباطنية، أو من يشبههم، تحريف في هذه الجمل. إن تسبح الجبال هو نوع قوله: * (وإن من شىء إلا يسبح بحمده) *، وإن تسخير الريح هو أنه راض الخيل وهي كالريح، وإن * (غدوها شهر) * يكون فرسخا، لأن من يخرج للتفرج لا يسير في غالب الأمر أشد من فرسخ. والإنة الحديد وإسالة القطر هو استخراج ذو بهما بالنار واستعمال الآلات منهما.
* * (ومن الجن) *: هم ناس من بني آدم أقوياء شبهوا بهم في قواهم، وهذا تأويل فاسد وخروج بالجملة عما يقوله أهل التفسير في الآية، وتعجيز للقدرة الإلهية، نعوذ بالله من ذلك. والمحاريب، قال مجاهد: المشاهد، سميت باسم بعضها تجوزا. وقال ابن عطية: القصور. وقال قتادة: كليهما. وقال ابن زيد: مساكن. وقيل: ما يصعد اليه بالدرج، كالغرف. والتماثيل: الصور، وكانت لغير الحيوان. وقال الضحاك: كانت تماثيل حيوان، وكان عملها جائزا في
(٢٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 ... » »»