تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٢٥٧
* صريع خمر قام من وكأته * كقومة الشيخ إلى منسأته * وقرأ باقي السبعة بالهمز مفتوحة، وقرئ بفتح الميم وتخفيف الهمزة قلبا وحذفا، وعلى وزن مفعالة: منساءة. وقرأت فرقة، منهم عمر بن ثابت، عن ابن جبير: مفصولة حرف جر وسأته بجر التاء، قيل: ومعناه من عصاه، يقال لها: ساة القوس وسيتها معا، وهي يدها العليا والسفلى، سميت العصا ساة القوس على الاستعارة، ولا سيما إن صح النقل أنه اتخذها من شجر الخروب قبل موته، فيكون حين اتكأ عليها، وهي كما قطعت من شجرة خضراء، قد اعوجت حتى صارت كالقوس. ألا ترى أنك إذا اتكأت على غصن أخضر كيف يعوج حتى يكاد يلتقي طرفاه؟ فيها لغتان: ساة وسية، كما يقال: قحة وقحاة، والمحذوف من ساة وسية.
* (فلما خر) *: أي سقط عن العصا ميتا، والظاهر أن الضمير في خر عائد على سليمان. وقيل: إن لم يمت إلى أن وجد في سفر مضطجعا، ولكنه كان في بيت مبني عليه، وأكلت الأرضة عتبة الباب حتى خر الباب، فعلم موته. وقال ابن عباس: مات في متعبده على فراشه، وقد أغلق الباب على نفسه فأكلت الأرضة المنسأة، أي عتبة الباب، فلما خر، أي الباب. انتهى، وهذا فيه ضعف، لأنه لو كانت المنسأة هي العتبة، وعاد الضمير عليها، لكان التركيب: فلما خرت، بتاء التأنيث، ولا يجيء حذف مثل هذه التاء إلا في ضرورة الشعر، ولا يكون من ذكر المعنى على معنى العود لأنه قليل. وقرأ الجمهور: تبينت، مبنيا للفاعل، فاحتمل أن يكون من تبين بمعنى بان، أي ظهرت الجن، والجن فاعل، وإن وما بعدها بدل من الجن. كما تقول: تبين زيد جهله، أي ظهر جهل زيد، فالمعنى: ظهر للناس جهل الجن علم الغيب، وأن ما ادعوه من ذلك ليس بصحيح. واحتمل أن يكون من تبين بمعنى علم وأدرك، والجن هنا خدم الجن، وضعفتهم * (أن لو كانوا) *: أي لو كان رؤساؤهم وكبراؤهم يعلمون الغيب، قاله قتادة. وقال الزمخشري: أو علم المدعون علم الغيب منهم عجزهم، وأنهم لا يعلمون الغيب، وإن كانوا عالمين قبل ذلك بحالهم، وإنما أريد بهم التهكم كما يتهكم بمدعي الباطل إذا دحضت حجته وظهر إبطاله، كقولك: هل تبينت أنك مبطل وأنت لا تعلم أنه لم يزل لذلك متبينا؟ انتهى. ويجىء تبين بمعنى بأن وظهر لازما، وبمعنى علم متعديا موجود في كلام العرب. قال الشاعر:
* تبين لي أن القماءة ذلة * وأن أعزاء الرجال طيالها * وقال آخر:
* أفاطم إني ميت فتبيني * ولا تجزعي على الأنام بموت * أي: فتبيني ذلك، أي أعلمية. وقال ابن عطية: ذهب سيبويه إلى أن أن لا موضع لها من الإعراب، إنما هي موزونة، نحو: إن ما ينزل القسم من الفعل الذي معناه التحقيق واليقين، لأن هذه الأفعال التي هي تحققت وتيقنت وعلمت ونحوها تحل محل القسم. فما لبثوا: جواب القسم، لا جواب لو. وعلى الأقوال، الأول جواب لو. وفي كتاب النحاس إشارة إلى أنه يقرأ: * (تبينت الجن) *، بنصب الجن، أي تبينت الإنس الجن، والمعنى: أن الجن لو كانت تعلم الغيب ما خفى عليها موته، أي موت سليمان. وقد ظهر أنه خفي عليها بدوامها في الخدمة والضعة وهو ميت. وقرأ ابن عباس، فيما ذكر ابن خالويه ويعقوب بخلاف عنه: تبينت مبنيا للمفعول؛ وعن ابن عباس، وابن مسعود، وأبي، وعلي بن الحسن، والضحاك قراءة
(٢٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 ... » »»