تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٢٦٩
للمبالغة، كهي في علامة وراوية. وقال الزمخشري: إلا إرسالة عامة لهم محيطة بهم، لأنها إذا شملتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد منهم، قال: ومن جعله حالا من المجرور متقدما عليه فقد أخطأ، لأن تقدم حال المجرور عليه في الإصالة بمنزلة تقدم المجرور على الجار، وكم ترى ممن يرتكب هذا الخطأ ثم لا يقنع به حتى يضم إليه أن يجعل اللام بمعنى إلى، لأنه لا يستوي له الخطأ الأول إلا بالخطأ الثاني، فلا بد من ارتكاب الخطأين. انتهى. أما كافة بمعنى عامة، فالمنقول عن النحويين أنها لا تكون إلا حالا، ولم يتصرف فيها بغير ذلك، فجعلها صفة لمصدر محذوف، خروج عما نقلوا، ولا يحفظ أيضا استعماله صفة لموصوف محذوف. وأما قول الزجاج: إن كافة بمعنى جامعا، والهاء فيه للمبالغة، فإن اللغة لا تساعد على ذلك، لأن كف ليس بمحفوظ أن معناه جمع. وأما قول الزمخشري: ومن جعله حالا إلى آخره، فذلك مختلف فيه. ذهب الأكثرون إلى أن ذلك لا يجوز، وذهب أبو علي وابن كيسان وابن برهان ومن معاصرينا ابن مالك إلى أنه يجوز، وهو الصحيح. ومن أمثلة أبي علي زيد: خير ما يكون خير منك، التقدير: زيد خير منك خير ما يكون، فجعل ما يكون حالا من الكاف في منك، وقدمها عليه، قال الشاعر:
* إذا المرء أعيته المروءة ناشئا * فمطلبها كهلا عليه شديد * وقال آخر:
* تسليت طرا عنكم بعد بينكم * بذكركم حتى كأنكم عندي * أي: تسليت عنكم طرا، أي جميعا. وقد جاء تقديم الحال على صاحبها المجرور وعلى ما يتعلق به، ومن ذلك قول الشاعر:
* مشغوفة بك قد شغفت وإنما * حتم الفراق فما إليك سبيل * وقال الآخر:
* غافلا تعرض المنية للمر * ء فيدعى ولات حين إباء * أي: شغفت بك مشغوفة، وتعرض المنية للمرء غافلا. وإذا جاز تقديمها على المجرور والعامل، فتقديمها عليه دون العامل أجوز، وعلى أن كافة حال من الناس، حمله ابن عطية وقال: قدمت للاهتمام والمنقول عن ابن عباس قوله: أي إلى العرب والعجم وسائر الأمم، وتقدير إلى الناس كافة. انتهى. وقول الزمخشري: وكم ترى ممن يرتكب هذا الخطأ، إلى آخر كلامه، شنيع؟ لأن قائل ذلك لا يحتاج إلى أن يتأول اللام بمعنى إلى، لأن أرسل يتعدى بإلى ويتعدى باللام، كقوله: * (نفسك وأرسلناك للناس رسولا) *. ولو تأول اللام بمعنى إلى، لم يكن ذلك خطأ، لأن اللام قد جاءت بمعنى إلى، وإلى قد جاءت بمعنى اللام، وأرسل مما جاء متعديا بهما إلى المجرور. ثم حكى تعالى مقالتهم في الاستهزاء بالبعث، واستعالجهم على سبيل التكذيب، ولم يجابوا بتعيين الزمان، إذ ذاك مما انفرد تعالى بعلمه، بل أجيبوا بأن ما وعدوا به لا بد من وقوعه، وهو ميعاد يوم القيامة، وتقدم الكلام على مثل هذه الجملة، ويجوز أن يكون سؤالهم عما وعدوا به من العذاب في الدنيا واستعجلوا به استهزاء منهم. وقال أبو عبيد: الوعد والوعيد والميعاد بمعنى. وقال الجمهور: الوعد في الخير،
(٢٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 ... » »»