تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٢٥٣
السير، على القولين. فأمر الجبال كأمر الواحدة المؤنثة، لأن جمع ما لا يعقل يجوز فيه ذلك، ومنه: يا خيل الله اركبي، ومنه: يا رب أخرى، وقد جاء ذلك في جميع ما يعقل من المؤنث، قال الشاعر:
* تركنا الخيل والنعم المفدى * وقلنا للنساء بها أقيمي * لكن هذا قليل. وقرأ الجمهور: * (والطير) *، بالنصب عطفا على موضع * (من جبال) *. قال سيبويه: وقال أبو عمرو: بإضمار فعل تقديره: وسخرنا له الطير. وقال الكسائي: عطفا على * (فضلا) *، أي وتسبيح الطير. وقال الزجاج: نصبه على أنه مفعول معه. انتهى، وهذا لا يجوز، لأن قبله معه، ولا يقتضي الفعل اثنين من المفعول معه إلا على البدل أو العطف، فكما لا يجوز: جاء زيد مع عمر ومع زينب إلا بالعطف، كذلك هذا. وقرأ السلمي، وابن هرمز، وأبو يحيى، وأبو نوفل، ويعقوب، وابن أبي عبلة، وجماعة من أهل المدينة، وعاصم في رواية: والطير، بالرفع، عطفا على لفظ * (من جبال) *؛ وقيل: عطفا على الضمير في * (أوبى) *، وسوغ ذلك الفصل بالظرف؛ وقيل: رفعا بالابتداء، والخبر محذوف، أي والطير تؤوب. وإلانة الحديد، قال ابن عباس وقتادة: صار كالشمع. وقال الحسن: كالعجين، وكان يعمله من غير نار. وقال السدي: كالطين المبلول والعجين والشمع، يصرفه كيف شاء من غير نار ولا ضرب مطرقة. وقيل: أعطي قوة يلين بها الحديد. وقال مقاتل: وكان يفرغ من الدرع في بعض يوم أو في بعض ليلة ثمنها ألف درهم، وكان داود يتنكر فيسأل الناس عن حاله، فعرض له ملك في صورة إنسان فسأله، فقال: نعم العبد لولا خلة فيه، فقال: وما هي؟ فقال: يرتزق من بيت المال، ولو أكل من عمل يده تمت فضائله، فدعا الله أن يعلمه صنعة ويسهلها عليه، د فعلمه صنعة الدروع وألان له الحديد فأثرى، وكان ينفق ثلث المال في مصالح المسلمين. وأن في * (أن اعمل) * مصدرية، وهي على إسقاط حرف الجر، أي ألناه لعمل * (سابغات) *. وأجاز الحوفي وغيره أن تكون مفسرة، ولا يصح، لأن من شرطها أن يتقدمها معنى القول، وأن ليس فيه معنى القول. وقدر بعضهم قبلها فعلا محذوفا حتى يصح أن تكون مفسرة، وتقديره: وأمرناه أن اعمل، أي اعمل، ولا ضرورة تدعو إلى هذا المحذوف. وقرئ: صابغات، بالصاد بدلا من السين، وتقدم أنها لغة في قوله: وأسبغ عليكم نعمه. * (وقدر فى السرد) *، قال ابن زيد: هو في قدر الحلقة، أي لا تعملها صغيرة فتضعف، فلا يقوى الدرع على الدفاع، ولا كبيرة فينال لابسها من خلالها. وقال ابن عباس: هو في المسمار، لا يرق فينكسر، ولا يغلظ فيفصم، بالفاء وبالقاف. وقال قتادة: إن الدروع كانت قبل صفائح كانت ثقالا، وهو أول من صنع الدرع حلقا. والظاهر أن الأمر في قوله: * (اعملوا ءال * داوود) * لآل داود، وإن لم يجر لهم ذكر. ويجوز أن يكون أمر الداود شرفه الله بأن خاطبه خطاب الجمع.
* (ولسليمان الريح) *، قال الحسن: عقر سليمان الخيل على ما فوتته من صلاة العصر، فأبدله الله خيرا منها، وأسرع الريح تجري بأمره. وقرأ الجمهور: الريح بالنصب، أي ولسليمان سخرنا الريح؛ وأبو بكر: بالرفع على الابتداء، والخبر في المجرور، ويكون الريح على حذف مضاف، أي تسخير الريح، أو على إضمار الخبر، أي الريح مسخرة. وقرأ الحسن، وأبو حيوة، وخالد بن الياس: الرياح، بالرفع جمعا. وقال قتادة: كانت تقطع في الغدو إلى قرب الزوال مسيرة شهر، وفي الرواح من بعد الزوال إلى الغروب مسيرة شهر. وقال الحسن: فخرج من مستقره بالشام يريد تدمر التي بنتها الجن بالصفاح والعمد، فيقيل في إصطخر ويروح منها فيبيت في كابل من أرض خراسان. والغد وليس الشهر هو على حذف مضاف، أي جزى غدوها، أي جريها في الغد ومسيرة شهر، وجرى رواحها، أي جريها في الرواح مسيرة شهر. وأخبر
(٢٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 ... » »»