تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٢٦٠
المسناة، كأنها الجسور والسداد، ومن هذا المعنى قول الأعشى:
* وفي ذاك للمؤتسى أسوة * مآرب عفى عليها العرم * * رجام بنته لهم حمير * إذا جاش دفاعه لم يرم * * فأروى الزروع وأشجارها * على سعة ماؤه إذ قسم * * فصاروا أيادي لا يقدرو * ن منه على شرب طفل فطم وقال آخر:
* ومن سبأ للحاضرين مآرب * إذا بنوا من دونه سيل العرم * وقال ابن عباس، وقتادة، والضحاك: العرام اسم، وإن ذلك الماء بعينه الذي كان السد بني به. انتهى. ويمكن أن يسمى الوادي بذلك البناء لمجاروته له، فصار علما عليه. وقال ابن عباس أيضا: العرم: الشديد، فاحتمل أن يكون صفة للسيل أضيف فيه الموصوف إلى صفته، والتقدير: السيل العرم، أو صفة لموصوف محذوف، أي سيل المطر الشديد الذي كان عنه السيل، أو سيل الجرذ العرم، فالعرم صفة للجرذ. وقيل: العرم اسم للجرذ، وأضيف السيل إليه لكونه كان السبب في خراب السد الذي حمله السيل، والإضافة تكون بأدنى ملابسة. وقرأ عروة بن الورد فيما حكى ابن خالويه: العرم، بإسكان الراء تخفيف العرم، كقولهم: في الكبد الكبد.
* ولما غرق من غرق، ونجا من نجا، تفرقوا وتحرفوا حتى ضربت العرب بهم المثل فقالوا: تفرقوا أيدي سبأ وأيادي سبأ، قيل: الأوس والخزرج منهم. وعن ابن عباس: كان سيل ذلك الوادي يصل إلى مكة وينتفع به، وكان سيل العرم في ملك ذي الأذعار بن حسان، في الفترة بين عيسى ونبينا صلى الله عليه وسلم). انتهى.
ودخلت الباء في * (* بجنيتهم) * على الزائل، وانتصب ما كان بدلا، وهو قوله: * (بجناتهم جنتين) * على المعهود في لسان العرب، وإن كان كثيرا لمن ينتمي للعلم يفهم العكس حتى قال بعضهم: ولو أبدل ضادا بظاء لم تصح صلاته، وهو خطأ في لسان العرب، ولو أبدل ظاء بضاد، وقد تكلمنا على ذلك في البقرة في قوله: * (ومن يتبدل الكفر بالإيمان) *. وسمى هذا المعوض جنتين على سبيل المقابلة، لأن ما كان فيه خمط وأثل وسدر لا يسمى جنة، لأنها أشحار لا يكاد ينتفع بها. وجاءت تثنية ذات على الأصح في رد عينها في التثنية فقال: * (ذواتى أكل) *، كما جاء * (ذواتا أفنان) *. ويجوز أن لا ترد فتقول: ذاتا كذا على لفظ ذات، وتقدم ذكر الخلاف في ضم كاف أكل وسكونها. وقرأ الجمهور: أكل منونا، وألاكل: الثمر المأكول، فخرجه الزمخشري على أنه على حذف مضاف، أي أكل خمط قال أو وصف ألاكل بالخمط كأنه قيل ذواتي أكل شبع. انتهى. والوصف بالأسماء لا يطرد، وإن كان قد جاء منه شيء، نحو قولهم: مررت بقاع عرفج كله. وقال أبو علي: البدل في هذا لا يحسن، لأن الخمط ليس بالأكل نفسه. انتهى. وهو جائز على ما قاله الزمخشري، لأن البدل حقيقة هو ذلك المحذوف، فلما حذف أعرب ما قام مقامه بإعرابه. قال أبو علي: والصفة أيضا كذلك، يريد لا بجنتين، لأن الخمط اسم لا صفة، وأحسن ما فيه عطف البيان، كأنه بين أن ألاكل هذه الشجرة ومنها. انتهى. وهذا لا يجوز على مذهب البصريين، إذ شرط عطف البيان أن يكون معرفة، وما قبله معرفة، ولا يجيز ذلك في النكرة من النكرة إلا
(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 ... » »»