المؤمن، أو الفقيه، أو الرحيم، أو المؤمن التواب، أو المسيح، أو الكثير الذكر له، أو التلاء لكتاب الله، أو القائل من خوف الله، أواه المكثر ذلك، أو الجامع المتضرع، أو المؤمن بالحبشية، أو المعلم للخير، أو الموفى، أو المستغفر عند ذكر الخطايا، أو الشفيق، أو الراجع عن كل ما يكرهه الله، أقوال للسلف، وقد ذكرنا مدلوله في اللغة في المفردات. وقال الزمخشري: أواه فقال: من أوه كلأل من اللؤلؤ، وهو الذي يكثر التأوه، ومعناه أنه لفرط ترحمه ورقته وحلمه كان يتعطف على أبيه الكافر ويستغفر له مع شكاسته عليه. وقوله: لأرجمنك انتهى. وتشبيه أواه من أوه بلال من اللؤلؤ ليس بجيد، لأن مادة أوه موجودة في صورة أواه، ومادة لؤلؤة مفقودة في لأل لاختلاف التركيب، إذ لآل ثلاثي، ولؤلؤ رباعي، وشرط الاشتقاق التوفق في الحروف الأصلية. وفسروا الحليم هنا بالصافح عن الذنب الصابر على الأذى، وبالصبور، وبالعاقل، وبالسيد، وبالرقيق القلب الشديد العطف.
* (وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم إن) *: مات قوم كان عملهم على الأمر الأول: كاستقبال بيت المقدس، وشرب الخمر، فسأل قوم الرسول بعد مجيء النسخ ونزول الفرائض عن ذلك فنزلت. وقال الكرماني: أسلم قوم من الأعراب فعملوا بما شاهدوا الرسول يفعله من الصلاة إلى بيت المقدس، وصيام لأيام البيض، ثم قدموا عليه فوجوده يصلي إلى الكعبة ويصوم رمضان، فقالوا: يا رسول الله دنا بعدك بالضلال، إنك على أمر وأنا على غيره فنزلت. وقيل: خاف بعض المؤمنين من الاستغفار للمشركين دون إذن من الله فنزلت الآية مؤنسة أي: ما كان الله بعد أن هدى للإسلام وأنقذ من النار ليحبط ذلك ويضل أهله لمقارفتهم ذنبا لم يتقدم منه نهى عنه. فأما إذ بين لهم ما يتقون من الأمر، ويتجنبون من الأشياء، فحينئذ من واقع بعد النهي استوجب العقوبة. وقال الزمخشري: يعني ما أمر الله باتقائه واجتنابه كالاستغفار للمشركين وغيره مما نهى عنه، وبين أنه محظور، ولا يؤاخذ به عباده الذين هداهم للإسلام، ولا يسميهم ضلالا ولا يخذلهم إلا إذا أقدموا عليه بعد بيان حظره عليهم، وعلمه بأنه واجب الاتقاء والاجتناب، وأما قبل العلم والبيان فلا سبيل عليهم، كما لا يؤاخذون بشرب الخمر ولا ببيع الصاع بالصاعين قبل التحريم. وهذا بيان لعذر من خاف المؤاخذة بالاستغفار للمشركين قبل ورود النهي في هذه الآية شديدة ما ينبغي أن يغفل عنها، وهي أن المهدي للإسلام إذا أقبل على بعض محظورات الله داخل في حكم الضلال، والمراد بما بتقون ما يجب اتقاؤه للنهي. فأما ما يعلم بالعقل كالصدق في الخبر ورد الوديعة فغير موقوف على التوقيف انتهى. وفي هذا الأخير من كلامه وفي قوله: قبل في تفسير ليضل ولا يسميهم ضلالا ولا يخذلهم دسيسة الاعتزال، وفي كلامه إسهاب، وهو بسط ما قال مجاهد، قال: ما كان ليضلكم بالاستغفار للمشركين بعد إذ هداكم للإيمان حتى يتقدم بالنهي عن ذلك، وبينه لكم فتتقوه انتهى. وتقدم في أسباب النزول ما يشرح به الآية من سؤالهم عمن مات، وقد صلى إلى بيت المقدس، وشرب الخمر، ومن قصة الأعراب.
والذي يظهر في مناسبة هذه الآية لما قبلها وفي شرحها: أنه تعالى لما بين أنه لا يستغفر للمشركين ولو كانوا أولي قربى، كان في هذه الآية وفي التي بعدها تباين ما بين القرابة حتى منعوا من الاستغفار لهم، فمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم) من الاستغفار لعمه أبي طالب وهو الذي تولى تربيته ونصره وحفظه إلى أن مات، ومنع إبراهيم من الاستغفار لأبيه وهو أصل نشأته ومربيه، وكذلك منع المسلمون من الاستغفار للمشركين أقرباء وغير أقرباء