تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ١١٤
الإسلام. وقيل: هم الثلاثة أي: كونوا مثل هؤلاء في صدقهم وثباتهم. وقال الزمخشري: هم الذين صدقوا في إيمانهم ومعاهدتهم الله ورسوله من قوله: * (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) * وهم الذين صدقوا في دين الله نية وقولا وعملا انتهى. وقيل: الخطاب بالذين آمنوا لمن تخلف من الطلقاء عن غزوة تبوك. وعن ابن عباس: الخطاب لمن آمن من أهل الكتاب أي: كونوا مع المهاجرين والأنصار، ومع تقتضي الصحبة في الحال والمشاركة في الوصف المقتضي للمدح. وقرأ ابن مسعود وابن عباس: من الصادقين، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم). وكان ابن مسعود يتأوله في صدق الحديث وقال: الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل، ولا إن يعد منكم أحد صببه ثم لا ينجزه، اقرؤوا إن شئتم: وكونوا مع الصادقين. وقال صاحب اللوامح: ومن أعم من مع، لأن كل ن كان من قوم فهو معهم في المعنى المأمور به، ولا ينعكس ذلك. وقرأ زيد بن علي، وابن السميقع، وأبو المتوكل، ومعاذ القاري: مع الصادقين بفتح القاف وكسر النون على التثنية، ويظهر أنهما الله ورسوله لقوله تعالى: * (ولما رأى المؤمنون الاحزاب قالوا هاذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله) * ولما تقدم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، أمروا بأن يكونوا مع الله ورسوله بامتثال الأمر واجتناب المنهى عنه كما يقال: كن مع الله يكن معك.
* (ما كان لاهل المدينة ومن حولهم من الاعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذالك) *: نزلت فيمن تخلف من أهل المدينة عن غزوة تبوك، وفيمن تخلف ممن حولهم من الأعراب من مزينة وجهينة وأشجع وأسلم وغفار. ومناسبتها لما قبلها: أنه لما أمر المؤمنين بتقوى الله، وأمر بكينونتهم مع الصادقين، وأفضل الصادقين رسول الله صلى الله عليه وسلم) ثم المهاجرون والأنصار، اقتضى ذلك موافقة الرسول وصحبته أنى توجه من الغزوات والمشاهد، فعوتب العتاب الشديد من تخلف عن الرسول في غزوة، واقتضى ذلك الأمر لصحبته وبذل النفوس دونه. قال الزمخشري: بأن يصحبوه على البأساء والضراء، وأمروا أن يكابدوا معه الأهوال برغبة ونشاط واغتباط، وأن يلقوا أنفسهم في الشدائد ما يلقاه نفسه صلى الله عليه وسلم)، علما بأنها أعز نفس عند الله تعالى وأكرمها عليه، فإذا تعرضت مع كرامتها وعزتها للخوض في شدة وهون وجب على سائر الأنفس أن تتهافت فيما تعرضت له، ولا يكترث لها أصحابها، ولا يقيموا لها وزنا، وتكون أخف شيء عليهم وأهونه، فضلا أن يربؤوا بأنفسهم عن متابعتها ومصاحبتها، ويضنوا بها على ما سمح بنفسه عليه، وهذا نهي بليغ مع تقبيح لأمرهم وتوبيخ لهم عليه، وتهييج لمتابعته بأنفة وحمية. قال الكرماني: هذا نفي معناه النهي، وخص هؤلاء بالذكر وكل الناس في ذلك سواء لقربهم منه، وأنه لا يخفى عليهم خروجه. قال قتادة: كان هذا الإلزام خاصا مع النبي صلى الله عليه وسلم) وجواب النفر إلى الغزو إذا خرج هو بنفسه، ولم يبق هذا الحكم مع غيره من الخلفاء. وقال زيد بن أسلم: كان هذا الأمر والإلزام في قلة الإسلام، واحتياج إلى اتصال الأيدي، ثم نسخ عند قوة الإسلام بقوله: * (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) * قال: وهذا كله في الانبعاث إلى غزو العدو على الدخول في الإسلام، وأما إذا ألم العدو بجهة فيتعين على كل أحد القيام بذنبه ومكافحته، والإشارة بذلك إلى ما تضمنه انتفاء التخلف من وجوب الخروج معه وبذل الفس دونه، كأنه قيل: ذلك الوجوب للخروج وبذل النفس هو بسبب ما أعد الله لهم من
(١١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 ... » »»