والحافظين نصبا على المدح. قال الزمخشري: ويجوز أن يكون صفة للمؤمنين، وقاله أيضا: ابن عطية. وقيل: يجوز أن يكون التائبون بدلا من الضمير في يقاتلون. قال ابن عباس: التائبون من الشرك. وقال الحسن: من الشرك والنفاق. وقيل: عن كل معصية. وعن ابن عباس: العابدون بالصلاة. وعنه أيضا المطيعون بالعبادة، وعن الحسن: هم الذين عبدوا الله في السراء والضراء. وعن ابن جبير: الموحدونن لسائحون. قال ابن مسعود وابن عباس وغيرهما: الصائمون شبهوا بالسائحين في الأرض، لامتناعهم من شهواتهم. وعن عائشة: سياحة هذه الأمة الصيام، ورواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم). قال الأزهري: قيل: للصائم سائح، لأن الذي يسيح في الأرض متعبد لا زاد معه، كان ممسكا عن الأكل والصائم، ممسك عن الأكل. وقال عطاء: السائحون المجاهدون. وعن أبي أمامة: أن رجلا استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم) في السياحة فقال: (إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله) صححه أبو محمد عبد الحق. وقيل: المراد السياحة في الأرض. فقيل: هم المهاجرون من مكة إلى المدينة. وقيل: المسافرون لطلب الحديث والعلم. وقيل: المسافرون في الأرض لينظروا ما فيها من آيات الله، وغرائب ملكه نظر اعتبار. وقيل: الجائلون بأفكارهم في قدرة الله وملكوته. والصفات إذا تكررت وكانت للمدح أو الذم أو الترحم جاز فيها الاتباع للمنعوت والقطع في كلها أو بعضها، وإذا تباين ما بين الوصفين جاز العطف. ولما كان الأمر مباينا للنهي، إذ الأمر طلب فعل والنهي ترك فعل، حسن العطف في قوله: والناهون ودعوى الزيادة، أو واو الثمانية ضعيف. وترتيب هذه الصفات في غاية من الحسن، إذا بدأ أولا بما يخص الإنسان مرتبة على ما سعى، ثم بما يتعدى من هذه الأوصاف من الإنسان لغيره وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم بما شمل ما يخصه في نفسه وما يتعدى إلى غيره وهو الحفظ لحدود الله. ولما ذكر تعالى مجموع هذه الأوصاف أمر رسوله صلى الله عليه وسلم) بأن يبشر المؤمنين. وفي الآية قبلها فاستبشروا أمرهم بالاستبشار، فحصلت لهم المزية التامة بأن الله أمرهم بالاستبشار، وأمر رسوله أن يبشرهم.
* (ما كان للنبى والذين ءامنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب) *: قال الجمهور: ومداره على ابن المسيب، والزهري، وعمرو بن دينار، نزلت في شأن أبي طالب حين احتضر فوعظه وقال: (أي عم قل لا إله إلا لله كلمة أحاج لك بها عند الله) وكان بالحضرة أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقالا له: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فقال أبو طالب: يا محمد لولا أني أخاف أن يعير بها ولدي من بعدي لا قررت بها عينك، ثم قال: أنا على ملة عبد المطلب، ومات فنزلت: * (إنك لا تهدى من أحببت) * فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم): (لأستغفرن لك ما لم أنه عنك) فكان يستغفر له حتى نزلت هذه الآية، فترك الاستغفار لأبي طالب. وروي أن المؤمنين لما رأوه يستغفر لأبي طالب جعلوا يستغفرون لموتاهم، فلذلك ذكروا في قوله: ما كان للنبي والذين