منهم. ويحتمل أن يكون المعنى لا يزالون مريبين بسبب بنيانهم الذي اتضح فيه نفاقهم. وجملة هذا أن الريبة في الآية تعم معاني كثيرة يأخذ كل منافق منها بحسب قدره من النفاق. وقال أبو عبد الله الرازي: جعل نفس البنيان ريبة لكونه سببا لها، وكونه سببا لها أنه لما أمر بتخريب ما فرحوا ببنائه ثقل ذلك عليهم، وازداد بعضهم له، وارتيابهم في نبوته، أو اعتقدوا هدمه من أجل الحسد، فارتفع إيمانهم وخافوا الإيقاع بهم قتلا ونهبا، أو بقوا شاكين: أيغفر الله لهم تلك المعصية؟ انتهى، وفيه تلخيص.
وقرأ ابن عامر وحمزة وحفص: إلا أن تقطع قلوبهم بفتح التاء أي: يتقطع، وباقي السبعة بالضم، مضارع قطع مبنيا للمفعول. وقرئ يقطع بالتخفيف. وقرأ الحسن، ومجاهد، وقتادة، ويعقوب: إلى أن نقطع، وأبو حيوة إلى أن تقطع بضم التاء وفتح القاف وكسر الطاء مشددة، ونصب قلوبهم خطابا للرسول أي: تقتلهم، أو فيه ضمير الريبة. وفي مصحف عبد الله: ولو قطعت قلوبهم، وكذلك قرأها أصحابه. وحكى أبو عمرو هذه القراءة: إن قطعت بتخفيف الطاء. وقرأ طلحة: ولو قطعت قلوبهم خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم)، أو كل مخاطب. وفي مصحف أبي: حتى الممات، وفيه حتى تقطع. فمن قرأ بضم التاء وكسر الطاء ونصب القلوب فالمعنى: بالقتل. وأما على من قرأه مبنيا للمفعول، فقال ابن عباس وقتادة وابن زيد وغيرهم: بالموت أي: إلى أن يموتوا. وقال عكرمة: إلى أن يبعث من في القبور. وقال سفيان: إلى أن يتوبوا عما فعلوا، فيكونون بمنزلة من قطع قلبه. قال ابن عطية: وليس هذا بظاهر، إلا أن يتأول أن يتوبوا توبة نصوحا يكون معها من الندم والحسرة ما يقطع القلوب هما. وقال الزمخشري: لا يزال يبديه سبب شك ونفاق زائد على شكهم ونفاقهم، لا يزال وسمه في قلوبهم ولا يضمحل أمره إلا أن تقطع قلوبهم قطعا وتفرق أجزاء، فحينئذ يسألون عنه، وأما ما دامت سليمة مجتمعة قائمة فيها متمكنة. ويجوز أن يراد حقيقة تقطيعها وما هو كائن منه بقتلهم، أو في القبور، أو في النار. وقيل: معناه إلا أن يتوبوا توبة تتقطع بها قلوبهم ندما وأسفا على تفريطهم. والله عليم بأحوالهم، حكيم فيما يجري عليهم من الأحكام، أو عليم بنياتهم، حكيم في عقوباتهم.
* (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا) *:
نزلت في البيعة الثانية وهي بيعة العقبة الكبرى، وهي التي أناف فيها رجال الأنصار على السبعين، وكان أصغرهم سنا عقبة بن عمرو. وذلك أنهم اجتمعوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) عند العقبة فقالوا: اشترط لك ولربك، والمتكلم بذلك عبد الله بن رواحة، فاشترط صلى الله عليه وسلم) حمايته مما يحمون منه أنفسهم، واشترط لربه التزام الشريعة وقتال الأحمر والأسود في الدفع عن الحوزة فقالوا: ما لنا على ذلك؟ قال: الجنة، فقالوا: نعم ربح البيع، لا تقيل ولا نقال. وفي بعض الروايات: ولا نستقيل، فنزلت.
والآية عامة في كل من جاهد في سبيل الله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم) إلى يوم القيامة، وعن جابر بن عبد الله: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم) في المسجد فكبر الناس، فأقبل رجل من الأنصار ثانيا طرف ركابه على أحد عاتقيه فقال: يا رسول الله أنزلت هذه الآية؟ قال: (نعم) فقال: بيع ربح لا تقيل ولا نستقيل. وفي بعض الروايات: فخرج إلى الغزو فاستشهد. وقال الحسن: لا والله إن في الأرض مؤمن إلا وقد أحدث بيعته. وقرأ عمر بن الخطاب والأعمش: وأموالهم بالجنة، مثل تعالى إثابتهم بالجنة على بذل أنفسهم وأموالهم في سبيله بالشراء، وقدم الأنفس على الأموال ابتداء بالأشرف وبما لا عوض له إذا فقد. وفي لفظة اشترى لطيفة وهي: رغبة المشتري فيما اشتراه واغتباطه به، ولم يأت التركيب أن المؤمنين باعوا، والظاهر أن هذا الشراء هو مع المجاهدين. وقال ابن عيينة: اشترى منهم أنفسهم أن لا يعملوها إلا في طاعة، وأموالهم أن لا ينفقوها إلا في سبيل الله، فالآية على هذا أعم من القتل في سبيل الله. وعلى هذا القول يكون