سم الخياط مع المحبوب ميدان. ثم ثالثا لما يئسوا من الخللق عذقوا أمورهم بالله وانقطعوا إليه، وعلموا أنه لا يخلص من الشدة ولا يفرجها إلا هو تعالى * (ثم إذا مسكم الضر فإليه تجئرون) * وإذا إن كانت شرطية فجوابها محذوف تقديره: تاب عليهم، ويكون قوله: ثم تاب عليهم، نظير قوله: ثم تاب عليهم، بعد قوله * (لقد تاب الله على النبى) * الآية. ودعوى أن ثم زائدة وجواب إذا ما بعد ثم بعيد جدا، وغير ثابت من لسان العرب زيادة ثم. ومن زعم أن إذا بعد حتى قد تجرد من الشرط وتبقى لمجرد الوقت فلا تحتاج إلى جواب بل تكون غاية للفعل الذي قبلها وهو قوله: خلفوا أي: خلفوا إلى هذا الوقت، ثم تاب عليهم ليتوبوا، ثم رجع عليهم بالقبول والرحمة كرة أخرى ليستقيموا على توبتهم وينيبوا، أو ليتوبوا أيضا فيما يستقبل إن فرطت منهم خطيئة علما منهم أن الله ثواب على من تاب، ولو عاد في اليوم مائة مرة. وقيل: معنى ليتوبوا ليدوموا على التوبة ولا يراجعوا ما يبطلها. وقيل: ليتوبوا، ليرجعوا إلى حالهم وعادتهم من الاختلاط بالمؤمنين، وتستكن نفوسهم عند ذلك. قال ابن عطية: وقوله: ثم تاب عليهم ليتوبوا، لما كان هذا القول في تعديد نعمه بدأ في ترتيبه بالجهة التي هي عن الله تعالى ليكون ذلك منبها على تلقي النعمة من عنده لا رب غيره، ولو كان القول في تعديد ذنب لكان الابتداء بالجهة التي هي عن المذنب كما قال تعالى: * (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) * ليكون هذا أشد تقريرا للذنب عليهم، وهذا من فصاحة القرآن وبديع نظمه ومعجز اتساقه. وبيان هذه الآية ومواقع ألفاظها أنها تكمل مع مطالعة حديث الثلاثة الذين خلفوا، وقد خرج حديثهم بكماله البخاري ومسلم وهو في السير، فلذلك اختصرت سوقه. وإنما عظم ذنبهم واستحقوا عليه ذلك لأن الشرع يطالبهم من الحد فيه بحسب منازلهم منه وتقدمهم فيه، إذ هو أسوة وحجة للمنافقين والطاعنين، إذ كان كعب من أهل العقبة، وصاحباه من أهل بدر، وفي هذا ما يقتضي أن الرجل العالم والمقتدي به أقل عذرا في السقوط من سواه. وكتب الأوزاعي إلى المنصور أبي جعفر في آخر رسالة: واعلم أن قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم) لن تزيد حق الله عليك إلا عظما، ولا ظاعته إلا وجوبا، ولا الناس فيما خالف ذلك منك إلا إنكارا والسلام. ولقد أحسن القاضي التنوخي في قوله:
والعيب يعلق بالكبير كبير وروي أن أناسا من المؤمنين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) ومنهم من بدا له فيلحق بهم كأبي خيثمة، ومنهم من بقي لم يلحق بهم منهم الثلاثة. وسئل أبو بكر الوراق عن التوبة النصوح فقال: إن تضيق إلى التائب الأرض بما رحبت، وتضيق عليه نفسه كتوبه كعب بن مالك وصاحبيه.
* (الرحيم ياأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) *: هو خطاب للمؤمنين، أمروا بكونهم مع أهل الصدق بعد ذكر قصة الثلاثة الذين نفعهم صدقهم وأزاحهم عن ربقة النفاق. واعترضت هذه الجملة تنبيها على رتبة الصدق، وكفى بها أنها ثانية لرتبة النبوة في قوله: * (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين) * قال ابن جريج وغيره: الصدق هنا صدق الحديث. وقال الضحاك ونافع: ما معناه اللفظ أعم من صدق الحديث، وهو بمعنى الصحة في الدين، والتمكن في الخير، كما تقول العرب: رجل صدق. وقالت هذه الفرقة: كونوا مع محمد وأبي بكر وعمر وخيار المهاجرين الذين صدقوا الله في