تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ١١٨
وما ضعفوا وما استكانوا) * والغلظة: تجمع الجرأة والصبر على القتال وشدة العداوة، والغلظة حقيقة في الأجسام، واستعيرت هنا للشدة في الحرب. وقرأ الجمهور: غلظة بكسر الغين وهي لغة أسد، والأعمش وابان بن ثعلب والمفضل كلاهما عن عاصم بفتحها وهي لغة الحجاز، وأبو حيوة والسلمي وابن أبي عبلة والمفضل وابن أيضا بضمها وهي لغة تميم، وعن أبي عمر وثلاثة اللغات ثم قال: واعلموا أن الله مع المتقين لينبه على أن يكون الحامل على القتال ووجود الغلظة إنما هو تقوى الله تعالى، ومن اتقى الله كان الله معه بالنصر والتأييد، ولا يقصد بقتاله الغنيمة، ولا الفخر، ولا إظهار البسالة.
* (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هاذه إيمانا فأما الذين ءامنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما) *: قال ابن عباس: نزلت هذه والثانية في المنافقين، كانوا إذا نزلت سورة فيها عيب المنافقين خطبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم) وعرض بهم في خطبته، فينظر بعضهم إلى بعض يريدون الهرب ويقولون: هل يراكم من أحد إن قمتم؟ فإن لم يرهم أحد خرجوا من المسجد. ولما استطرد من سفر الغزو وتأنيب المتخلفين عن الرسول إلى سفر التفقه في الدين، ثم أمر بقتال من يلي من الكفار والغلظة عليهم، عاد إلى ذكر مخازي المنافقين إذ هم الذين نزل معظم السورة فيهم. وكان في الآية قبلها إشارة إلى الغلظة على الكفار وهم منهم، وقولهم: أيكم زادته هذه إيمانا، يحتمل أن يكون خطاب بعض المنافقين لبعض على سبيل الإنكار والاستهزاء بالمؤمنين، ويحتمل أن يقولوا: ذلك لقراباتهم المؤمنين يستقيمون إليهم ويطمعون في ردهم إلى النفاق. ومعنى قولهم ذلك: هو على سبيل التحقير للسورة والاستخفاف بها، كما تقول: أي غريب في هذا وأي دليل في هذا، وفي الفتيان قيل: هو قول المؤمنين للبحث والتنبيه. وقرأ الجمهور: أيكم بالرفع. وقرأ زيد بن علي، وعبيد بن عمير: أيكم بالنصب على الاشتغال، والنصب فيه عند الأخفش أفصح كهو بعد أداة الاستفهام نحو: أريد اضربته. والتقسيم يقتضي أن الخطاب من أولئك المنافقين المستهزئين عام للمنافقين والمؤمنين، وزيادة الإيمان عبارة عن حدوث تصديق خاص لم يكن قبل نزول السورة من قصص وتجديد حكم من الله تعالى، أو عبارة عن تنبيه على دليل تضمنته السورة ويكون قد حصلت له معرفة الله بأدلة، فنبهته هذه السورة على دليل راد في أدلته، أو عبارة عن إزالة شك يسير، أو شبهة عارضة غير مستحكمة، فيزول ذلك الشك وترتفع الشبهة بتلك السورة. وأما على قول من يسمى الطاعة إيمانا، وذلك مجاز عند أهل السنة، فتترتب الزيادة بالسورة إذ يتضمن أحكاما. وقال الربيع: فزادتهم إيمانا أي خشية أطلق اسم الشيء على بعض ثمراته. وقال الزمخشري: فزادتهم إيمانا لأنها أزيد للمتقين على الثبات، وأثلج للصدور. أو فزادتهم عملا، فإن زيادة العمل زيادة في الإيمان، لأن الإيمان يقع على الاعتقاد والعمل
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»