تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٤٠٠
* قد علمت سلمى وجاراتها * أني من الله لها هائد * أي مائل، وقرأ زيد بن علي وأبو وجزة هدنا بكسر الهاء من هاد يهيد إذا حرك أي حركنا أنفسنا وجذبناها لطاعتك فيكون الضمير فاعلا ويحتمل أن يكون مفعولا لم يسم فاعله أي حركنا إليك وأملنا والضم في هدنا يحتملهما وتضمنت هذه الجمل كونه تعالى هو ربهم ووليهم وأنهم تائبون عبيد له خاضعون فناسب عز الربوبية أن يستعطف للعبيد التائبين الخاضعين بسؤال المغفرة والرحمة والكتب.
* (قال عذابى أصيب به من أشاء ورحمتى وسعت كل شىء) *. الظاهر أنه استئناف إخبار عن عذابه ورحمته ويندرج في قوله: أصيب به من أشاء أصحاب الرجفة، وقيل العذاب هنا هو الرجفة ومن أشاء أصحابها والمعنى أنه لا اعتراض عليه أي من أشاء عذابه، وقيل: من أشاء أن لا أعفو عنه، وقيل: من أشاء من خلقي كما أصبت به قومك، وقيل: من أشاء من الكفار، وقيل المشيئة راجعة إلى التعجيل والإمهال لا إلى الترك والإهمال، وقال الزمخشري: ممن أشاء من وجب علي في الحكمة تعذيبه ولم يكن في العفو عنه مساغ لكونه مفسدة انتهى، وهو على طريقة المعتزلة، وقال ابن عباس أصيب من أشاء على الذنب اليسير، وقال أيضا وسعت كل شيء من ذنوب المؤمنين، وقال أبو روق هي التعاطف بين الخلائق، وقال ابن زيد: هي التوبة على العموم، وقال الحسن: هي في الدنيا بالرزق عامة وفي الآخرة بالمؤمنين خاصة، وقال الزمخشري: وأما رحمتي فمن حالها وصفتها أنها واسعة كل شيء ما من مسلم ولا كافر ولا مطيع ولا عاص إلا وهو متقلب في نعمتي انتهى، وهو بسط قول الحسن: هي في الدنيا بالرزق عامة، وقرأ زيد بن علي والحسن وطاووس وعمرو بن فائد من أساء من الإساءة، وقال أبو عمرو والداني: لا تصح هذه القراءة عن الحسن وطاووس وعمرو بن فائد رجل سوء، وقرأ بها سفيان بن عيينة مرة واستحسنها فقام إليه عبد الرحمن المقري وصاح به وأسمعه فقال سفيان: لم أدر ولم أفطن لما يقول أهل البدع وللمعتزلة تعلق بهذه القراءة من جهة إنفاذ الوعيد ومن جهة خلق المرء أفعاله وإن أساء لا فعل فيه الله تعالى والانفصال عن هذا كالانفصال عن سائر الظواهر.
* (واكتب لنا فى هاذه الدنيا) *. أي أقضيها وأقدرها والضمير عائد على الرحمة لأنها أقرب مذكور ويحتمل عندي أن يعود على حسنة في قوله واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة أي فسأكتب الحسنة وقاله ابن عباس ونوف البكالي وقتادة وابن جريج والمعنى متقارب لما سمع إبليس ورحمتي وسعت كل شيء تطاول لها إبليس فلما سمع فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة يئس، وبقيت اليهود والنصارى فلما تمادت الصفة تبين أن المراد أمة محمد صلى الله عليه وسلم) ويئس النصارى واليهود من الآية، وقال أهل التفسير: عرض الله هذه الخلال على قوم موسى فلم يتحملوها ولما انطلق وفد بني إسرائيل إلى الميقات قيل: لهم خطت لكم الأرض مسجدا وطهورا إلا عند مرحاض أو قبر أو حمام وجعلت السكينة في قلوبهم فقالوا: لا نستطيع فاجعل السكينة في التابوت والصلاة في الكنيسة ولا نقرأ التوراة إلا عن نظر ولا نصلي إلا في الكنيسة فقال الله تعالى: فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم)، وقال نوف البكالي: إن موسى عليه السلام قال: يا رب جعلت وفادتي لأمة محمد، قال نوف فاحمدوا الله الذي جعل وفادة بني إسرائيل لكم ومعنى
(٤٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 395 396 397 398 399 400 401 402 403 404 405 ... » »»