تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٤٠٣
الكلام عن الفائدة لأنا لا ندري ما أحل لنا وكم هو قال: بل الواجب أن يراد المستطابة بحسب الطبع لأن تناولها يفيد اللذة والأصل في المنافع الحل فدلت الآية على أن كل ما تستطيبه النفس ويستلذه الطبع حلال إلا ما خرج بدليل منفصل.
* (ويحرم عليهم الخبئث) * قيل: المحرمات، وقيل: ما تستخبثه العرب كالعقرب والحية والحشرات، وقيل: الدم والميتة والحم الخنزير، وعن ابن عباس ما في سورة المائدة إلى قوله ذلكم فسق.
* (ويضع عنهم إصرهم والاغلال التى كانت عليهم) *. قرأ طلحة ويذهب عنهم إصرهم وتقدم تفسير الإصر في آخر سورة البقرة، وفسره هنا قتادة وابن جبير ومجاهد والضحاك والحسن وغيرهم بالثقل، وقرأ ابن عامر: آصارهم جمع إصر، وقرئ أصرهم بفتح الهمزة وبضمها فمن جمع فباعتبار متعلقات الإصر إذ هي كثيرة ومن وحد فلأنه اسم جنس، والأغلال مثل لما كلفوا من الأمور الصعبة كقطع موضع النجاسة من الجلد والثوب وإحراق الغنائم والقصاص حتما من القاتل عمدا كان أو خطأ وترك الاشتغال يوم السبت وتحريم العروق في اللحم وعن عطاء: أن بني إسرائيل كانوا إذا قاموا إلى الصلاة لبسوا المسوح وغلوا أيديهم إلى أعناقهم وربما ثقب الرجل ترقوته وجعل فيها طرف السلسلة وأوثقها إلى السارية يحبس نفسه على العبادة، وروي أن موسى عليه السلام رأى يوم السبت رجلا يحمل قصبا فضرب عنقه وهذا المثل كما قالوا جعلت هذا طوقا في عنقك وقالوا طوقها طوق الحمامة، وقال الهذلي:
* وليس كهذا الدار يا أم مالك * ولكن أحاطب بالرقاب السلاسل * * فصار الفتى كالكهل ليس بقابل * سوى العدل شيئا واستراح العواذل * وليس ثم سلاسل وإنما أراد أن الإسلام ألزمه أمورا لم يكن ملتزما لها قبل ذلك كما قال الإيمان قيد الفتك، وقال ابن زيدا الأغلال يريد في قوله غلت أيديهم فمن آمن زالت عنه الدعوة وتغليلها.
* (فالذين ءامنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذى أنزل معه أولئك هم المفلحون) *. وعزروه أثنوا عليه ومدحوه. قال الزمخشري: منعوه حتى لا يقوى عليه عدو، وقرأ الجحدري وقتادة وسليمان التيمي وعيسى بالتخفيف، وقرأ جعفر بن محمد وعززوه بزايين والنور القرآن قاله قتادة، وقال ابن عطية: هو كناية عن جملة الشريعة. وقيل مع بمعنى عليه أي الذي أنزل عليه. وقيل هو على حذف مضاف أي أنزل مع نبوته لأن استنباءه كان مصحوبا بالقرآن مشفوعا به وعلى هذين القولين يكون العامل في الظرف أنزل ويجوز عندي أن كون معه ظرفا في موضع الحال فالعامل فيه محذوف تقديره أنزل كائنا معه وهي حال مقدرة كقوله مررت برجل معه صقر صائدا به غدا فحالة الإنزال لم يكن معه لكنه صار معه بعد كما إن الصيد لم يكن وقت المرور، وقال الزمخشر: ويجوز أن يعلق باتبعوا أي واتبعوا القرآن المنزل مع اتباع النبي صلى الله عليه وسلم) والعمل بسنته وبما أمر به أي واتبعوا القرآن كما اتبعه مصاحبين له في اتباعه وفي قوله فالذين آمنوا به إلى آخره إشارة إلى من آمن من أعيان بني إسرائيل بالرسول كعبد الله بن سلام وغيره من أهل الكتابين.
* (قل ياأهل * أيها الناس * إنى رسول الله إليكم جميعا الذى له ملك * السماوات والارض * لا إلاه إلا هو يحى ويميت) *. لما ذكر تعالى لموسى عليه السلام صفة محمد صلى الله عليه وسلم) وأخبر أن من أدركه وآمن به أفلح أمر تعالى نبيه بإشهار دعوته ورسالته إلى الناس كافة والدعاء إلى الإيمان بالله ورسوله وكلماته واتباعه ودعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم) عامة للإنس والجن قاله الحسن، وتقتضيه الأحاديث والذي في موضع نصب على المدح أو رفع
(٤٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 398 399 400 401 402 403 404 405 406 407 408 ... » »»