تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٤٠٥
وصف المؤمنين التائبين من بني إسرائيل ومن اهتدى واتقى وعدل انتهى، وما روي عن ابن عباس والسدي وابن جريج أنهم قوم اغتربوا من بني إسرائيل ودخلوا سربا مشوا فيه سنة ونصفا تحت الأرض حتى خرجوا وراء الصين فهم هناك يقيمون الشرع في حكايات طويلة ذكرها الزمخشري وصاحب التحرير والتحبير يوقف عليها هناك لعله لا يصح وفي قوله: ومن قوم موسى إشارة إلى التقليل وأن معظمعم لا يهدي بالحق ولا يعدل به وهم إلى الآن، كذلك دخل في الإسلام من النصارى عالم لا يعلم عددهم إلا الله تعالى وأما اليهود فقليل من آمن منهم.
* (وقطعناهم اثنتى عشرة أسباطا أمما) * أي وقطعنا قوم موسى ومعناه فرقناهم وميزناهم وفي ذلك رجوع أمر كل سبط إلى رئيسة ليخف أمرهم على موسى ولئلا يتحاسدوا فيقع الهرج ولهذا فجر لهم اثنتي عشرة عينا لئلا يتنازعوا ويقتتلوا على الماء ولهذا جعل لكل سبط نقيبا ليرجع بأمرهم إليه وتقدم تفسير الأسباط، وقرأ إبان بن تغلب عن عاصم بتخفيف الطاء وابن وثاب والأعمش وطلحة بن سليمان عشرة بكسر الشين، وعنهم الفتح أيضا وأبو حيوة وطلحة بن مصرف بالكسر وهي لغة تميم والجمهور بالإسكان وهي لغة الحجاز واثنتي عشرة حال وأجاز أبو البقاء أن يكون قطعنا بمعنى صيرنا وأن ينتصب اثنتي عشرة على أنه مفعول ثان لقطعناهم ولم يعد النحويون قطعنا في باب ظننت وجزم به الحوفي فقال اثنتي عشرة مفعول لقطعناهم أي جعلنا اثنتي عشرة وتمييز اثنتي عشرة محذوف لفهم المعنى تقديره اثنتي عشرة فرقة وأسباطا بدل من اثنتي عشرة وأمما. قال أبو البقاء نعت لأسباطا أو بدل بعد بدل ولا يجوز أن يكون أسباطا تمييزا لأنه جمع وتمييز هذا النوع لا يكون إلا مفردا وذهب الزمخشري إلى أن أسباطا تمييز قال: (فإن قلت): مميز ما بعد العشرة مفرد فما وجه مجيئه مجموعا وهلا قيل: اثنتي عشر سبطا، (قلت): لو قيل ذلك لم يكن تحقيقا لأن المراد وقطعناهم اثنتي عشرة قبيلة وكل قبيلة أسباط لا سبط فوضع أسباطا موضع قبيلة ونظيره، بين رماحي مالك ونهشل، وأمما بدل من اثنتي عشرة بمعنى وقطعناهم أمما لأن كل أسباط كانت أمة عظيمة وجماعة كثيفة العدد وكل واحدة تؤم خلاف ما تؤمه الأخرى لا تكاد تأتلف انتهى، وما ذهب إليه من أن كل قبيلة أسباط خلاف ما ذكر الناس ذكروا أن الأسباط في بني إسرائيل كالقبائل في العرب وقالوا: الأسباط جمع سبط وهم الفرق والأسباط من ولد إسحاق بمنزلة القبائل من ولد إسماعيل ويكون على زعمه قوله تعالى: * (وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والاسباط) * معناه القبيلة وقوله ونظيره: بين رماحي مالك ونهشل ليس نظيره لأن هذا من تثنية الجمع وهو لا يجوز إلا في الضرورة وكأنه يشير إلى أنه لو لم يلحظ في الجمع كونه أريد به نوع من الرماح لم يصح تثنيته كذلك هنا لحظ هنا الأسباط وإن كان جمعا معنى القبيلة فميز به كما يميز بالمفرد، وقال الحوفي: يجوز أن يكون على الحذف والتقدير اثنتي عشرة فرقة ويكون أسباطا نعتا لفرقة ثم حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه وأمما نعت لأسباط وأنث العدد وهو واقع على الأسباط وهو مذكر لأنه بمعنى الفرقة أو الأمة كما قال: ثلاثة أنفس يعني رجالا وعشر أبطن بالنظر إلى القبيلة انتهى ونظير وصف التمييز المفرد بالجمع مراعاة للمعنى. قول الشاعر:
(٤٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 400 401 402 403 404 405 406 407 408 409 410 ... » »»