تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٣٨٩
الهدى) *. وقرأ الأخوان * (الرشد) * وباقي السبعة * (الرشد) *، وعن ابن عامر في رواية اتباع الشين ضمة الراء وأبو عبد الرحمن الرشاد وهي مصادر كالسقم والسقم والسقام، وقال أبو عمرو بن العلاء: * (الرشد) * الصلاح في النظر وبفتحهما الدين، وقرأ ابن أبي عبلة لا يتخذوها ويتخذوها على تأنيث السبيل والسبيل تذكر وتؤنث، قال تعالى: * (قل هاذه سبيلى) * ولما نفى عنهم الإيمان وهو من أفعال القلب استعار للرشد والغي سبيلين فذكر أنهم تاركو سبيل الرشد سالكو سبيل الغي وناسب تقديم جملة الشرط المتضمنة سبيل الرشد على مقابلتها لأنها قبلها.
* (ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم) * فذكر موجب الإيمان وهو الآيات وترتب نقيضه عليه وأتبع ذلك بموجب الرشد وترتب نقيضه عليه ثم جاءت الجملة بعدها مصرحة بسلوكهم سبيل الغي ومؤكدة لمفهوم الجملة الشرطية قبلها لأنه يلزم من ترك سبيل الرشد سلوك سبيل الغي لأنهما إما هدى أو ضلال فهما نقيضان إذا انتفى أحدهما ثبت الآخر.
* (ذالك بأنهم كذبوا بئاياتنا وكانوا عنها غافلين) *. أي ذلك الصرف عن الآيات هو سبب تكذيبهم بها وغفلتهم عن النظر فيها والتفكر في دلالتها والمعنى أنهم استمر كذبهم وصار لهم ذلك ديدنا حتى صارت تلك الآيات لا تخطر لهم ببال فحصلت الغفلة عنها والنسيان لها حتى كانوا لا يذكرونها ولا شيئا منها والظاهر أن الصرف سببه التكذيب والغفلة ممن جميعهم ويحتمل أن الصرف سببه التكذيب ويكون قوله: * (وكانوا عنها غافلين) * استئناف إخبار منه تعالى عنهم أي من شأنهم أنهم كانوا غافلين عن الأيات وتدبرها فأورثنهم الغفلة التكذيب بها والظاهر أن ذلك مبتدأ وخبره بأنهم أي ذلك الصرف كائن بأنهم كذبوا وجوزوا أن يكون منصوبا فقدره ابن عطية فعلنا ذلك، وقدره الزمخشري صرفهم الله ذلك الصرف بعينه وفي قوله تعالى: * (سأصرف عن ءاياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق) * إشعار بأن الصرف سببه هذا التكبر وفي قوله * (ذالك بأنهم كذبوا) * إعلام بأن ذلك الصرف سببه التكذيب والجمع بينهما أن التكبر سبب أول نشأ عنه التكذيب فنسبه الصرف إلى السبب الأول وإلى ما تسبب عنه.
* (والذين كذبوا بئاياتنا ولقاء الاخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون) * ذكر تعالى ما يؤول إليه في الآخرة أمر المكذبين فذكر أنه يحبط أعمالهم أي لا يعبأ بها وأصل الحبط أن يكون فيما تقدم صلاحه فاستعمل الحبوط هنا إذا كانت أعمالهم في معتقداتهم جارية على طريق صالح فكان الحبط فيها بحسب معتقداتهم إذ المكذب بالآيات قد يكون له عمل فيه إحسان للناس وصفح وعفو عمن جنى عليه وكل ذلك لا يجازى عليه في الآخرة فشمل حبط الأعمال من له عمل بر ومن عمله من أول مرة فاسد ونبه بلقاء الآخرة على محل افتضاحهم وجزائهم وتهديدا لهم ووعيدا بها وأنها كائنة لا محالة وإضافة * (لقاء) * إلى * (الاخرة) * إضافة المصدر إلى المفعول أي ولقائهم الآخرة. قال الزمخشري: ويجوز أن يكون من إضافة المصدر إلى المفعول به أي ولقائهم الآخرة ومشاهدتهم أحوالها ومن إضافة المصدر إلى الظرف لأن الظرف هو على تقدير في والإضافة عندهم إنما هي على تقدير اللام أو تقدير من على ما بين في علم النحو فإن اتسع في العامل جاز أن ينصب الظرف نصب المفعول به وجاز إذ ذاك أن يضاف مصدره إلى ذلك الظرف المتسع في عامله وأجاز بعض النحويين أن تكون الإضافة على تقدير في كما يفهمه ظاهر كلام الزمخشري، وهو مذهب مردود في علم النحو. و * (هل يجزون) * استفهام بمعنى التقدير أي يستوجبون بسوء فعلهم العقوبة، قال ابن عطية: والظاهر أنه استفهام بمعنى النفي ولذلك دخلت * (إلا) * والاستفهام الذي هو بمعنى التقرير هو موجب من حيث المعنى فيبعد دخول إلا ولعله لا يجوز.
* (واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار) *. إن كان الاتخاذ بمعنى اتخاذه إلها معبودا فصح نسبته إلى القوم وذكر أنهم كلهم عبدوه غير هارون ولذلك * (قال
(٣٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 384 385 386 387 388 389 390 391 392 393 394 ... » »»