تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٣٩٥
* والموت دون شماتة الأعداء وقرأ ابن محيصن * (تشمت) * بفتح التاء وكسر الميم ونصب * (الاعداء) * ومجاهد كذلك إلا أنه فتح الميم وشمت متعدية كأشمت وخرج أبو الفتح قراءة مجاهد على أن تكون لازمة والمعنى فلا تشمت أنت يا رب وجاز هذا، كما قال الله يستهزئ بهم ونحو ذلك ثم عاد إلى المراد فأضمر فعلا نصب به الأعداء كقراءة الجماعة انتهى، وهذا خروج عن الظاهر وتكلف في الإعراب وقد روي تعدى شمت لغة فلا يتكلف أنها لازمة مع نصب الأعداء وأيضا قوله: * (الله يستهزىء بهم) * إنما ذلك على سبيل المقابلة لقولهم * (إنما نحن مستهزءون) * فقال: * (الله يستهزىء بهم) * وكقوله * (ويمكرون ويمكر الله) * ولا يجوز ذلك ابتداء من غير مقابلة وعن مجاهد * (فلا تشمت) * بفتح التاء والميم ورفع * (الاعداء) *، وعن حميد بن قيس كذلك إلا أنه كسر الميم جعلاه فعلا لازما فارتفع به الأعداء فظاهره أنه نهى الأعداء عن الشماتة به وهو من باب لا أرينك هنا والمراد نهيه أخاه أي لا تحل بي مكروها فيشمتوا بي وبدأ أولا بسؤال أخيه أن لا يشمت به الأعداء لأن ما يوجب الشماتة هو فعل مكروه ظاهر لهم فيشمتوا به فبدأ بالأوكد ثم سأله أن لا يجعله ولا يعتقده واحدا من الظالمين إذ جعله معهم واعتقاده من جملتهم هو فعل قلبي وليس ظاهرا لبني إسرائيل أو يكون المعنى * (ولا تجعلنى) * في موجدتك علي قرينا لهم مصاحبا لهم..
* * (قال رب اغفر لى ولاخى وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الرحمين) *. لما اعتذر إليه أخوه استغفر لنفسه وله قالوا واستغفاره لنفسه بسبب فعلته مع أخيه وعجلته في إلقاء الألواح واستغفاره لأخيه من فعلته في الصبر لبني إسرائيل قالوا: ويمكن أن يكون الاستغفار مما لا يعلمه والله أعلم، وقال الزمخشري لما اعتذر إليه أخوه وذكر شماته الأعداء، * (قال رب اغفر لى ولاخى) * ليرضي أخاه ويظهر لأهل الشماتة رضاه عنه فلا يتم لهم شماتتهم واستغفر لنفسه مما فرط منه إلى أخيه ولأخيه أن عسى فرط في حين الخلافة وطلب أن لا يتفرقا عن رحمته ولا تزال متضمنة لهما في الدنيا والآخرة انتهى، وقوله ولأخيه أن عسى فرط إن كانت أن بفتح الهمزة فتكون المخففة من الثقيلة ويقرب معناه، وإن كانت بكسر الهمزة فتكون للشرط ولا يصح إذ ذاك دخولها على عسى لأن أدوات الشرط لا تدخل على الفعل الجامد.
* (إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة فى الحيواة الدنيا وكذالك * تجزى * المفترين) *. الظاهر أنه من كلام الله تعالى إخبارا عما ينال عباد العجل ومخاطبة لموسى بما ينالهم. وقيل: هو من بقية كلام موسى إلى قوله * (وقال إنما اتخذتم) * وأصدقه الله تعالى بقوله: * (وكذالك نجزى المفترين) * والأول الظاهر لقوله * (وكذالك نجزى المفترين) * في نسق واحد مع الكلام قبله والمعنى اتخذوه إلها لقوله * (فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هاذا إلاهكم وإلاه موسى) *، قيل: والغضب في الأخرة والذلة في الدنيا وهم فرقة من اليهود أشربوا حب العجل فلم يتوبوا، وقيل: هم من مات منهم قبل رجوع موسى من الميقات، وقال أبو العالية وتبعه الزمخشري: هو ما أمروا به من قتل أنفسهم، وقال الزمخشري والذلة خروجهم من ديارهم لأن ذل الغربة مثل مضروب انتهى، وينبغي أن يقول استمرار انقطاعهم عن ديارهم لأن خروجهم كان سبق على عبادة العجل، وقال عطية العوفي: هو في قتل بني قريظة وإجلاء بني النضير لأنهم تولوا متخذي العجل، وقيل: ما نال أولادهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) من السبي والجلاء والجزية وغيرها، وجمع هذين القولين الزمخشري فقال
(٣٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 390 391 392 393 394 395 396 397 398 399 400 ... » »»