تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٣٩٣
والحسن والسدي أو الجزع قاله مجاهد أو المتلهف أو الشديد الغضب قاله الزمخشري وابن عطية قال: وأكثر ما يكون بمعنى الحزين أو المغضب قاله ابن قتيبة أو النادم قاله القتبي أيضا، أو متقاربان قاله الواحدي قال: فإذا أتاك ما تكره ممن دونك غضبت أو ممن فوقك حزنت فأغضبه عبادتهم العجل وأحزنه فتنة الله إياهم وكان قد أخبره بذلك بقوله إنا قد فتنا قومك من بعدك وتقدم الكلام على بئسما في أوائل البقرة والخطاب إما للسامري وعباد العجل أي بئسما قمتم مقامي حيث عبدتم العجل مكان عبادة الله تعالى وأما لوجوه بني إسرائيل هارون والمؤمنين حيث لم يكفوا من عبد غير الله وخلفتموني يدل على البعدية في الزمان والمعنى هنا من بعد ما رأيتم مني توحيد الله تعالى ونفي الشركاء عنه وإخلاص العبادة له أو من بعدما كنت أحمل بني إسرائيل على التوحيد وأكفهم عن ما طمحت إليه أبصارهم من عبادة البقر ومن حق الخلف أن يسير سيرة المستخلف ولا يخالفه ويقال خلفه بخير أو شر إذا فعله عن ترك من بعده. أعجلتم استفهام إنكار قال الزمخشري يقال: عجل عن الأمر إذا تركه غير تام ونقيضه تم عليه وأعجله عنه غيره ويضمن معنى سبق فيعدى تعديته، فيقال: عجلت الأمر والمعنى أعجلتم عن أمر ربكم وهو انتظار موسى حافظين لعهده وما وصاكم به فبنيتم الأمر على أن الميعاد قد بلغ آخره، ولم أرجع إليكم فحدثتم أنفسكم بموتي فغيرتم كما غيرت الأمم بعد أنبيائهم، وروي أن السامري قال لهم أحين أخرج إليهم العجل هذا إلهكم وإله موسى أن موسى لن يرجع وأنه قد مات انتهى. وقال ابن عطية: معناه أسابقتم قضاء ربكم واستعجلتم إتياني من قبل الوقت الذي قدرته انتهى، وقال يعقوب: يقال عجلت الشيء سبقته وأعجلت الرجل استعجلته أي حملته على العجلة انتهى، وقيل: معناه أعجلتم ميعاد ربكم أربعين ليلة، وقيل: أعجلتم سخط ربكم، وقيل: أعجلتم بعبادة العجل، وقيل: العجلة التقدم بالشيء في غير وقته، قيل: وهي مذمومة ويضعفه قوله وعجلت إليك رب لترضى والسرعة المبادرة بالشيء في غير وقته وهي محمودة.
* (وألقى الالواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه) * أي الألواح التوراة وكان حاملا لها فوضعها بالأرض غضبا على ما فعله قومه من عبادة العجل وحمية لدين الله وكان كما تقدم شديد الغضب وقالوا كان هارون ألين منه خلقا ولذلك كان أحب إلى بني إسرائيل منه. وقيل: ألقاها دهشا لما دهمه من أمرهم، وعن ابن عباس: أن موسى عليه السلام لما ألقاها تكسرت فرفع أكثرها الذي فيه تفصيل كل شيء وبقي الذي في نسخته الهدى والرحمة وهو الذي أخذ بعد ذلك، وروى أنه رفع ستة أسباعها وبقي سبع قاله جماعة من المفسرين، وقال أبو الفرج بن الجوزي لا يصح أنه رماها رمي كاسر انتهى، والظاهر أنه ألقاها من يديه لأنهما كانتا مشغولتين بها وأراد إمساك أخيه وجره ولا يتأتى ذلك إلا بفراغ يديه لجره وفي قوله ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح دليل على أنها لم تتكسر ودليل على أنه لم يرفع منها شيء والظاهر أنه أخذ برأسه أي أمسك رأسه جاره إليه، وقيل: بشعر رأسه، وقيل: بذوائبه ولحيته، وقيل: بلحيته، وقيل: بأذنه، وقيل: لم يأخذ حقيقة وإنما كان ذلك إشارة فخشي هارون أن يتوهم الناظر إليهما أنه لغضب فلذلك نهاه ورغب إليه والظاهر أن سبب هذا الأخذ هو غضبه على أخيه وكيف عبدوا العجل وهو قد استخلفه فيهم وأمره بالإصلاح وأن لا يتبع سبيل من أفسد وكيف لم يزجرهم ويكفهم عن ذلك ويدل على هذا الظاهر قوله: ولما سكت عن موسى الغضب وقوله: لا
(٣٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 388 389 390 391 392 393 394 395 396 397 398 ... » »»