تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي، قال الزمخشري: أي بشعر رأسه يجره إليه بذوائبه وذلك لشدة ما ورده عليه من الأمر الذي استفزه وذهب بفطنته وظنا بأخيه أن فرط في الكف، وقيل: ذلك الأخذ والجر كان ليسر إليه أنه نزل عليه الألواح في مناجاته وأراد أن يخفيها عن بني إسرائيل فنهاه هارون لئلا يشتبه سراره على بني إسرائيل بإذلاله وقيل: ضمه ليعلم ما لديه فكره ذلك هارون لئلا يظنوا أهانته وبين له أخوه أنهم استضعفوه، وقيل: كان ذلك على سبيل الإكرام لا على سبيل الإهانة كما تفعل العرب من قبض الرجل على لحية أخيه.
* (قال ابن أم إن القوم استضعفونى وكادوا يقتلوننى فلا تشمت بى الاعداء ولا تجعلنى مع القوم الظالمين) * ناداه نداء استضعاف وترفق وكان شقيقه وهي عادة العرب تتلطف وتتحنن بذكر الأم كما قال:
* يا ابن أمي ويا شقيق نفسي وقال آخر:
* * يا ابن أمي فدتك نفسي ومالي وأيضا فكانت أمهما مؤمنة قالوا: وكان أبوه مقطوعا عن القرابة بالكفر كما قال تعالى لنوح عليه السلام: * (إنه ليس من أهلك) * وأيضا لما كان حقها أعظم لمقاساتها الشدائد في حمله وتربيته والشفقة عليه ذكره بحقها، وقرأ الحرميان وأبو عمرو وحفص: * (ابن أم) * بفتح الميم، فقال الكوفيون: أصله يا ابن أماه فحذفت الألف تخفيفا كما حذفت في يا غلام وأصله يا غلاما وسقطت هاء السكت لأنه درج فعلى هذا الاسم معرب إذ الألف منقلبة عن ياء المتكلم فهو مضاف إليه ابن، وقال سيبويه: هما اسمان بنيا على الفتح كاسم واحد كخمسة عشر ونحوه فعلى قوله ليس مضافا إليه ابن والحركة حركة بناء، وقرأ باقي السبعة بكسر الميم فقياس قول الكوفيين أنه معرب وحذفت ياء المتكلم واجتزىء بالكسرة عنها كما اجتزؤوا بالفتحة عن الألف المنقلبة عن ياء المتكلم، وقال سيبويه هو مبني أضيف إلى ياء المتكلم كما قالوا يا أحد عشر أقبلوا وحذفت الياء واجتزؤوا بالكسرة عنها كما اجتزؤوا في * (عليه قوم) * ولو كانا باقيين على الإضافة لم يجز حذف الياء لأن الاسم ليس بمنادى ولكنه مضاف إليه المنادى فلا يجوز حذف الياء منه، وقرئ بإثبات ياء الإضافة وأجود اللغات الاجتزاء بالكسرة عن ياء الإضافة ثم قلب الياء ألفا والكسرة قبلها فتحة ثم حذف التاء وفتح الميم ثم إثبات التاء مفتوحة أو ساكنة وهذه اللغات جائزة في ابنة أمي وفي ابن عمي وابنة عمي، وقرئ يا ابن أمي بإثبات الياء وابن إم بكسر الهمزة والميم ومعمول القول المنادى والجملة بعده المقصود بها تخفيف ما أدرك موسى من الغضب والاستعذار له بأنه لم يقصر في كفهم من الوعظ والإنذار وما بلغته طاقته ولكنهم استضعفوه فلم يلتفتوا إلى وعظه بل قاربوا أن يقتلوه ودل هذا على أنه بالغ في الإنكار عليهم حتى هموا بقتله ومعنى * (استضعفونى) * وجدوني فهي بمعنى إلفاء الشيء بمعنى ما صيغ منه أي اعتقدوني ضعيفا، وتقدم ذلك في قوله * (للذين استضعفوا) * ولما أبدى له ما كان منهم من الاستضعاف له ومقاربة قتلهم إياه سأله ترك ما يسرهم بفعله فقال * (فلا تشمت بى الاعداء) * أي لا تسرهم بما تفعل بي فأكون ملوما منهم ومنك، وقال الشاعر: