البقاء وأن يكون عطف بيان وإنما قال: * (جسدا) * لأنه يمكن أن يتخذ مخطوطا أو مرقوما في حائط أو حجر أو غير ذلك كالتماثيل المصورة بالرقم والخط والدهان والنقش فبين تعالى أنه ذو جسد.
* (ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا) *، إن كان اتخذ معناه عمل وصنع فلا بد من تقدير محذوف يترتب عليه هذا الإنكار وهو فعبدوه وجعلوه إلها لهم وإن كان المحذوف إلها أي اتخذوا * (عجلا جسدا له خوار) * إلها فلا يحتاج إلى حذف جملة، وهذا استفهام إنكار حيث عبدوا جمادا أو حيوانا عاجزا عليه آثار الصنعة لا يمكن أن يتكلم ولا يهدي وقد ركز في العقول أن من كان بهذه المثابة استحال أن يكون إلها وهذا نوع من أنواع البلاغة يسمى الاحتجاج النظري وبعضهم يسميه المذهب الكلامي والظاهر أن يروا بمعنى يعلموا وسلب تعالى عنه هذين الوصفين دون باقي أوصاف الإلهية لأن انتفاء القدرة وانتفاء هذين الوصفين وهما العلم والقدرة يستلزمان باقي الأوصاف فلذلك حض هذان الوصفان بانتفائهما.
* (اتخذوه وكانوا ظالمين) * أي أقدموا على ما أقدموا عليه من هذا الأمر الشنيع وكانوا واضعين الشيء في غير موضعه أي من شأنهم الظلم فليسوا مبتكرين وضع الشيء في غيره موضعه وليس عبادة العجل بأول ما أحدثوه من المناكر، قال ابن عطية ويحتمل أن تكون الواو واو الحال انتهى يعني في * (وكانوا) * والوجه الأول أبلغ في الذم وهو الإخبار عن وصفهم بالظلم وإن شأنهم ذلك فلا يتقيد ظلمهم بهذه الفعلة الفاضحة.
* (ولما سقط فى أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين) *. ذكر بعض النحويين أن قول العرب سقط في يده فعل لا يتصرف فلا يستعمل منه مضارع ولا اسم فاعل ولا مفعول وكان أصله متصرفا تقول سقط الشيء إذا وقع من علو فهو في الأصل متصرف لازم، وقال الجرجاني: سقط في يده مما دثر استعماله مثل ما دثر استعمال قوله تعالى: * (فضربنا علىءاذانهم) * قال ابن عطية: وفي هذا الكلام ضعف والسقاط في كلام العرب كثرة الخطأ والندم عليه ومنه قول ابن أبي كاهل:
* كيف يرجون سقاطي بعدما * بقع الرأس مشيب وصلع * وحكي عن أبي مروان بن سراج أحد أئمة اللغة بالأندلس أنه كان يقول: قول العرب سقط في يده مما أعياني معناه، وقال أبو عبيدة: يقال لمن ندم على أمر وعجز عنه سقط في يده، وقال الزجاج: معناه سقط الندم في أيديهم أي في قلوبهم وأنفسهم، كما يقال حصل في أيديهم مكروه وإن كان محالا أن يكون في اليد تشبيها لما يحصل في القلب والنفس بما يحصل في اليد ويرى بالعين، وقال ابن عطية: العرب تقول لمن كان ساعيا لوجه أو طالبا غاية فعرض له ما صده عن وجهه ووقفه موقف العجز وتيقن أنه عاجز سقط في يد فلان وقد يعرض له الندم وقد لا يعرض، قال: والوجه الذي يصل بين هذه الألفاظ وبين المعنى الذي ذكرناه هو أن السعي أو الصرف أو الدفاع سقط في يد المشار إليه فصار في يده لا يجاوزها ولا يكون له في الخارج أثر، وقال الزمخشري لما اشتد ندمهم وحسرتهم على عبادة العجل لأن من شأن من اشتد ندمه وحسرته أن يعض يده غما فتصير يده مسقوطا فيها لأن فاه قد وقع فيها وسقط مسند إلى * (فى أيديهم) * وهو من باب الكناية انتهى، والصواب وسقط مسند إلى ما * (فى أيديهم) * وحكى الواحدي عن بعضهم أنه مأخوذ من السقيط وهو ما يغشى الأرض بالغذوات شبه الثلج يقال: منه سقطت الأرض كما يقال: من الثلج ثلجت الأرض وثلجنا أي أصابنا الثلج ومعنى سقط في يده والسقيط والسقط يذوب بأدنى حرارة ولا يبقى ومن وقع في يده السقيط لم يحصل منه على شيء فصار مثلا لكل من خسر