تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٤٠٦
* فيها اثنتان وأربعون حلوبة * سودا كحافته الغراب الأسحم * ولم يقل سوداء. وقيل: جعل كل واحدة من اثنتي عشرة أسباطا كما تقول لزيد دراهم ولفلان دراهم ولعمر دراهم فهذه عشرون دراهم، وقيل: التقدير وقطعناهم فرقا اثنتي عشرة فلا يحتاج إلى تمييز، وقال البغوي: في الكلام تأخير وتقديم تقديره وقطعناهم أسباطا أمما اثنتي عشرة وهذه كلها تقادير متكلفة والأجرى على قواعد العرب القول الذي بدأنا به.
* (وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتى عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما) *. تقدم تفسير نظير هذه الجمل في البقرة وانبجست: إن كان معناه ما قال أبو عمرو بن العلاء فقيل: كان يظهر على كل موضع من الحجر فضربه موسى مثل ثدي المرأة فيعرق أولا ثم يسيل وإن كان مرادفا لانفجرت فلا فرق، وقال الزمخشري: هنا الأناس اسم جمع غير تكسير نحو رخاء وثناء وثؤام وأخوات لها ويجوز أن يقال: إن الأصل الكسر والتكسير والضمة بدل من الكسر كما أبدلت في نحو سكارى وغيارى من لفتحة انتهى ولا يجوز ما قال لوجهين، أحدهما: أنه لم ينطلق بإناس بكسر الهمزة فيكون جمع تكسير حتى تكون الضمة بدلا من الكسرة بخلاف سكارى وغيار فإن القياس فيه فعالى بفتح فاء الكلمة وهو مسموع فيهما، (والثاني): أن سكارى وغيارى وعجالى وما ورد من نحوها ليست الضمة فيه بدلا من الفتحة بل نص سيبويه في كتابه على أنه جمع تكسير أصل كما أن فعالى جمع تكسير أصل وإن كان لا ينقاس الضم كما ينقاس الفتح، قال سيبويه في حد تكسير الصفات: وقد يكسرون بعض هذا على فعالى، وذلك قول بعضهم سكارى وعجالى، وقال سيبويه في الأبنية أيضا: ويكون فعالى في الاسم نحو حبارى وسماني ولبادي ولا يكون وصفا إلا أن يكسر عليه الواحد للجمع نحو عجالى وكسالى وسماني فهذان نصان من سيبويه على أنه جمع تكسير وإذا كان جمع تكسير أصلا لم يسغ أن يدعي أن أصله فعالى وأنه أبدلت الحركة فيه وذهب المبرد إلى أنه اسم جامع أعني فعالى بضم الفاء وليس بجمع تكسير فالزمخشري لم يذهب إلى ما ذهب إليه سيبويه ولا إلى ما ذهب إليه المبرد لأنه عند المبرد اسم جمع فالضمة في فائه أصل ليست بدلا من الفتحة بل أحدث قولا ثالثا. وقرأ عيسى الهمداني من طيبات ما رزقتكم موحدا للضمير.
* (وإذا قيل لهم * اسكنوا هاذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين * فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذى قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون) * تقدمت هذه القصة وتفسيرها في البقرة وكأن هذه مختصرة من تلك إلا أن هناك وإذ قلنا ادخلوا وإذ قيل لهم اسكنوا وهناك رغدا وسقط هنا وهناك وسنزيد وهنا سنزيد وهناك فأنزلنا على الذين ظلموا وهنا فأرسلنا عليهم وبينهما تغاير في بعض الألفاظ لا تناقض فيه فقوله: وإذ قيل لهم وهناك وإذ قلنا فهنا حذف الفاعل للعلم به وهو الله تعالى، وهناك ادخلوا وهنا اسكنوا السكنى ضرورة تتعقب الدخول فأمروا هناك بمبدأ الشيء وهنا بما تسبب عن الدخول وهناك فكلوا بالفاء وهنا بالواو فجاءت الواو على أحد محتملاتها من كون ما بعدها وقع بعدما قبلها، وقيل الدخول حالة مقتضية فحسن ذكر فاء التعقيب بعده والسكنى حالة مستمرة فحسن الأمر بالأكل معه لا عقيبة
(٤٠٦)
مفاتيح البحث: الزمخشري (2)، الجواز (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 401 402 403 404 405 406 407 408 409 410 411 ... » »»