تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٣٨٤
انتهى، وهذا يناسب قول من قال إنه لم يذهب بجملته وإنما ذهب أعلاه وبقي أكثر، وقرأ يحيى بن وثاب * (دكا) * أي قطعا جمع دكاء نحو غز جمع غزاء، وانتصب على أنه مفعول ثان لجعله ويضعف قول الأخفش إن نصبه من باب قعدت جلوسا * (* وصعقا) * حال مقارنة، ويقال صعقة فصعق وهو من الأفعال التي تعذب بالحركة نحو شتر الله عينه فشترت، والظاهر أن موسى والجبل لم يطيقا رؤية الله تعالى حين تجلى فلذلك اندك الجبل وصعق موسى عليه السلام، وحكى عياض بن موسى عن القاضي أبي بكر بن الطيب: أن موسى اليه السلام رأى الله فلذلك خر صعقا وأن الجبل رأى ربه فلذلك صار دكا بإدراك كلفة الله له وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن كعب قال إن الله تعالى قسم كلامه ورؤيته بين محمد وموسى صلى الله عليه وسلم) فكلم موسى مرتين ورآه محمد صلى الله عليه وسلم) مرتين وذكر المفسرون من رؤيته ملائكة السماوات السبع وحملة العرش وهيئاتهم وإعدادهم ما الله أعلم بصحته.
* (صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك) *. أي من مسألة الرؤية في الدنيا قاله مجاهد أو ومن سؤالها قبل الاستئدان أو عن صغائري حكاه الكرماني، أو قال ذاك على سبيل الإنابة إلى الله تعالى والرجوع إليه عند ظهور الآيات على ما جرت به عادة المؤمن عند رؤية العظائم وليست توبة عن شيء معين أشار إليه ابن عطية، وقال الزمخشري * (قال سبحانك) * أنزهك عن ما لا يجوز عليك من الرؤية وغيرها * (تبت إليك) * من طلب الرؤية، (فإن قلت): فإن كان طلب الرؤية للغرض الذي ذكرته فمم تاب، (قلت): عن إجرائه تلك المقالة العظيمة وإن كان لغرض صحيح على لسانه من غير إذن فيه من الله تعالى فانظر إلى إعظام الله تعالى أمر الرؤية في هذه الآية وكيف أرجف الجبل بطالبيها وجعله دكا وكيف أصعقهم ولم يخل كليمه من نفيان ذلك مبالغة في إعظام الأمر وكيف سبح ربه ملتجئا إليه وتاب من إجراء تلك الكلمة على لسانه وقال * (أنا * أول المؤمنين) *، ثم تعجب من المتسمين بالإسلام بالمتسمين بأهل السنة والجماعة كيف اتخذوا هذه العظيمة مذهبا ولا يغرنك تسترهم بالبلكفة فإنه من منصوبات أشياخهم والقول ما قاله بعض العدلية فيهم:
* لجماعة سموا هواهم سنة * وجماعة حمر لعمري مؤكفه * * قد شبهوه بخلقه وتخوفوا * شنع الورى فتستروا بالبلكفه * وهو تفسير على طريقة المعتزلة وسب لأهل السنة والجماعة على عادته وقد نظم بعض علماء السنة على وزن هذين البيتين وبحرهما أنشدنا الأستاذ العلامة أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير بغرناطة إجازة إن لم يكن سماعا ونقلته من خطه، قال أنشدنا القاضي الأديب العالم أبو الخطاب محمد بن أحمد بن خليل السكوني بقراءتي عليه عن أخيه القاضي أبي بكر من نظمه:
* شبهت جهلا صدر أمة محمد * وذوي البصائر بالحمير المؤكفه * * وزعمت أن قد شبهوا معبودهم * وتخوفوا فتستروا بالبلكفه * * ورميتهم عن نبعة سويتها * رمي الوليد غدا يمزق مصحفه * * وجب الخسار عليك فانظر منصفا * في آية الأعراف فهي المنصفه * * أترى الكليم أتى بجهل ما أتى * وأتى شيوخك ما أتوا عن معرفه * * وبآية الأعراف ويك خذلتم * فوقفتم دون المراقي المزلفة * * لو صح في الإسلام عقدك لم تقل * بالمذهب المهجور من نفي الصفة * * إن الوجوه إليه ناظرة بذا * جاء الكتاب فقلتم هذا السفه *
(٣٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 379 380 381 382 383 384 385 386 387 388 389 ... » »»