تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٣٨٦
ألواحه وهذا كقوله تعالى * (الهوى فإن الجنة هى المأوى) * أي مأواه انتهى وكون أل عوضا من الضمير ليس مذهب البصريين ولا يتعين أن يكون عوضا من الضمير وليس ذلك كقوله فإن الجنة هي المأوى لأن الجملة خبر عن من فاحتاجت الجملة إلى رابط، فقال الكوفيون: أل عوض من الضمير كأنه قيل مأواه، وقال البصريون: الرابط محذوف أي هي المأوى له وظاهر الألواح الجمع، فقيل كانت سبعة وروى ذلك عن ابن عباس، وقيل ثمانية ذكره الكرماني، وقيل: تسعة قاله مقاتل: وقيل: عشرة قاله وهب بن منبه، وقيل اثنان وروي عن ابن عباس أيضا واختاره الفراء، وهذا ضعيف لأن الدلالة بالجمع على اثنين قياسا له شرط مذكور في النحو هو مفقود هنا، وقال الربيع بن أنس: نزلت التوراة وهي وقر سبعين بعيرا يقرأ الجزء منها في سنة ولم يقرأها سوى أربعة نفر موسى ويوشع وعزير وعيسى، وقد اختلفوا من أي شيء هي فعن ابن عباس وأبي العالية زبرجد، وعن ابن جبير من ياقوت أحمر، وعن ابن عباس أيضا ومجاهد من زمرد أخضر، وعن أبي العالية أيضا من برد، وعن مقاتل من زمرد وياقوت، وعن الحسن من خشب طولها عشرة أذرع، وعن وهب من صخرة صماء أمر بقطعها ولانت له فقطعها بيده وشققها بأصابعه، وقيل: من نور حكاه الكرماني، والمعنى من كل شيء محتاج إليه في شريعتهم * (موعظة) * للازدجار والاعتبار * (وتفصيلا لكل شىء) * من التكاليف الحلال والحرام والأمر والنهي والقصص والعقائد والإخبار والمغيبات، وقال ابن جبير ومجاهد: لكل شيء مما أمروا به ونهوا عنه، وقال السدي الحلال والحرام، وقال مقاتل كان مكتوبا في الألواح إني أنا الله الرحمن الرحيم لا تشركوا بي شيئا ولا تقطعوا السبل ولا تحلفوا باسمي كاذبين فإن من حلف باسمي كاذبا فلا أزكيه ولا تقتلوا ولا تزنوا ولا تعقوا الوالدين والظاهر أن مفعول * (كتبنا) * أي كتبنا فيها * (موعظة) * * (من كل شىء) * * (وتفصيلا لكل شىء) * قاله الحوفي قال نصب * (موعظة) * بكتبنا * (وتفصيلا) * عطف على * (موعظة) * * (لكل شىء) * متعلق بتفصيلا انتهى، وقال الزمخشري: * (من كل شىء) * في محل النصب مفعول * (وكتبنا) * * (وموعظة) *، * (وتفصيلا) * بدل منه والمعنى كتبنا له كل شيء كان بنو إسرائيل يحتاجون إليه في دينهم من المواعظ وتفصيل الأحكام انتهى، ويحتمل عندي وجه ثالث وهو أن يكون مفعول * (كتبنا) * موضع المجرور كما تقول أكلت * (من) * الرغيف، ومن للتبعيض أي كتبنا له أشياء من كل شيء وانتصب * (موعظة وتفصيلا) * على المفعول من أجله أي كتبنا له تلك الأشياء للاتعاظ والتفصيل لأحكامهم.
* (فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأوريكم دار الفاسقين) * أي فقلنا خذها عطفا على * (كتبنا) * ويجوز أن يكون * (فخذها) * بدلا من قوله * (فخذ ما ءاتيتك) *، والضمير في * (فخذها) * عائد على ما على معنى ما لا على لفظها وأما إذا كان على إضمار فقلنا فيكون عائدا على * (الالواح) * أي الألواح أو على * (كل شىء) * لأنه في معنى الأشياء أو على التوراة أو على الرسالات وهذه احتمالات مقولة أظهرها الأول، ومعنى * (بقوة) * قال ابن عباس بجد واجتهاد فعل أولي العزم، وقال أبو العالية والربيع بن أنس: بطاعة، وقال جويبر: بشكر، وقال ابن عيسى: بعزيمة وقوة قلب لأنه إذا أخذها بضعف النية أداه إلى الفتور، وهذا القول راجع لقول ابن عباس: أمر موسى أن يأخذ بأشد مما أمر به قومه وقوله * (بأحسنها) * ظاهره أنه أفعل التفضيل وفيها الحسن والأحسن كالقصاص والعفو والانتصار والصبر، وقيل: أحسنها الفرائض والنوافل وحسنها المباح، وقيل: أحسنها الناسخ وحسنها المنسوخ ولا يتصور أن يكون المنسوخ حسنا إلا باعتبار ما كان عليه قبل النسخ أما بعد النسخ فلا يوصف بأنه حسن لأنه ليس مشروعا، وقيل الأحسن المأمور به دون المنهي عنه، قال الزمخشري: على قوله الصيف أحر من الشتاء انتهى، وذلك على تخيل أن في الشتاء حرا ويمكن الاشتراك فيهما في الحسن بالنسبة إلى الملاذ وشهوات
(٣٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 ... » »»