* (اخلفنى) * استبد بالأمر وذلك في حياته إذ راح إلى مناجاة ربه وليس المعنى أنك تكون خليفتي بعد موتي ألا ترى أن هارون عليه السلام مات قبل موسى عليهما السلام، وليس في قول الرسول صلى الله عليه وسلم) لعلي (أنت مني كهارون من موسى) دليل على أنه خليفته بعد موته إذ لم يكن هارون خليفة بعد موت موسى وإنما استخلف الرسول عليا على أهل بيته إذ سافر الرسول عليه السلام في بعض مغازيه كما استخلف ابن أم مكتوم على المدينة فلم يكن في ذلك دليل على أنه يكون خليفة بعد موت الرسول. * (ولما جاء موسى لميقاتنا * وكلمة * ربه) * أي للوقت الذي ضربه له أي لتمام الأربعين كما تقول أتيته لعشر خلون من الشهر ومعنى اللام الاختصاص والجمهور على أنه وحده خص بالتكليم إذ جاء للميقات، وقال القاضي: سمع هو والسبعون كلام الله، قال ابن عطية: خلق له إدراكا سمع به الكلام القائم بالذات القديمة الذي هو صفة ذات، وقال ابن عباس وابن جبير: أدنى الله تعالى موسى حتى سمع صريف الأقلام في اللوح المحفوظ وقال الزمخشري: * (وكلمة * ربه) * من غير واسطة كما يكلم الملك وتكليمه أن يخلق الكلام منظوقا به في بعض الأجرام كما خلقه محفوظا في اللوح وروي أن موسى كان يسمع الكلام في كل جهة، وعن ابن عباس كلمة أربعين يوما وأربعين ليلة وكتب له الألواح، وقيل: إنما كلمة في أول الأربعين انتهى، وقال وهب كلمه في ألف مقام وعلى أثر كل مقام يرى نور على وجهه ثلاثة أيام ولم يقرب النساء مذ كلمه الله وقد أوردوا هنا الخلاف الذي في كلام الله وهو مذكور ودلائل المختلفين مذكور في كتب أصول الدين وكلمه معطوف على جاء، وقيل حال وعدل عن قوله وكلمناه إلى قوله * (وكلمه) * ربه للمعنى الذي عدل إلى قوله * (فتم ميقات ربه) * وفلما تجلى ربه. * (قال رب أرنى أنظر إليك) *. قال السدي وأبو بكر الهذلي: لما كلمه وخصه بهذه المرتبة طمحت همته إلى رتبة الرؤية وتشوف إلى ذلك فسأل ربه أن يريه نفسه. قال الزجاج: شوقه الكلام فعيل صبره فحمله على سؤال الرؤية، وقال الربيع: لم يعهد إليه في الرؤية فظن أن السؤال في هذا الوقت جائز، وقال السدي: غار الشيطان في الأرض فخرج بين يديه فقال إنما يكلمك شيطان فسأل الرؤية ولو لم تجز الرؤية ما سألها؟ قال ابن عطية: ورؤية الله عند الأشعرية وأهل السنة جائزة عقلا لأنه من حيث هو موجود تصح رؤيته وقررت الشريعة رؤية الله في الآخرة ومنعت من ذلك في الدنيا بظواهر الشرع فموسى عليه السلام لم يسأل محالا وإنما سأل جائزا وقوله * (لن ترانى ولاكن انظر إلى الجبل) * الآية ليس بجواب من سأل محالا وقد قال تعالى لنوح عليه السلام: * (فلا تسألنى * ما ليس لك به علم إنى أعظك أن تكون من الجاهلين) * فلو سأل موسى محالا لكان في الجواب زجر ما وتيئيس، وقال الكرماني وغيره: في الكلام محذوف تقديره لن تراني في الدنيا، وقيل لن تقدر أن تراني، وقيل لن تراني بسؤالك، وقيل لن تراني ولكن ستراني حين أتجلى للجبل، قال الزمخشري: (فإن قلت): كيف طلب موسى عليه السلام ذلك وهو من أعلم الناس بالله تعالى وصفاته وما يجوز عليه وما لا يجوز وبتعاليه عن الصفة التي هي إدراك ببعض الحواس وذلك إنما يصح فيما كان في جهة وما ليس بجسم ولا عرض فمحال أن يكون في جهة ومنع المجبرة إحالته في العقول غير لازم لأنه ليس بأول مكابرتهم وارتكابهم وكيف يكون طالبه وقد قال حين أخذتهم الرجفة الذين * (قالوا * أرنا الله جهرة * أتهلكنا بما فعل السفهاء منا) * إلى قوله * (تضل بها من تشاء) * فتبرأ من فعلهم ودعاهم سفهاء وضلالا، (قلت): ما كان طلبه الرؤية إلا ليسكت هؤلاء الذين دعاهم سفهاء
(٣٨٠)