تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٣٨٧
النفس فيكون المأمور به أحسن من حيث الامتثال وترتب الثواب عليه ويكون المنهي عنه حسنا باعتبار الملاذ والشهوة فيكون بينهما قدر مشترك في الحسن وإن اختلف متعلقه، وقيل أحسنها هو أشبه ما تحتمله الكلمة من المعاني إذا كان لها احتمالات فتحمل على أولاها بالحق وأقربها إليه، وقيل أحسن هنا ليست أفعل التفضيل بل المعنى بحسنها كما قال:
* بيتا دعائمه أعز وأطول أي عزيزة طويلة قاله قطرب وابن الأنباري فعلى هذا أمروا بأن يأخذوا بحسنها وهو ما يترتب عليه الثواب دون المناهي التي يترتب على فعلها العقاب، وقيل أحسن هنا صلة والمعنى يأخذوا بها وهذا ضعيف لأن الأسماء لا تزاد وانجزم * (يأخذوا) * على جواب الأمر وينبغي تأويل * (وأمر قومك) * لأنه لا يلزم من أمر قومه بأخذ أحسنها أن * (يأخذوا بأحسنها) * فلا ينتظم منه شرط وجزاء * (* وبأحسنها) * متعلق بيأخذوا وذلك على إعمال الثاني لأن * (يأخذوا بأحسنها) * مقتضى لقوله * (وأمر) * ولقوله * (يأخذوا فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا) * مجزوما على إضمار لام الأمر أي ليأخذوا لأن معنى * (وأمر قومك) * قل لقومك وذلك على مذهب الكسائي ومفعول * (يأخذوا) * محذوف لفهم المعنى أي * (يأخذوا) * أنفسهم * (بأحسنها) * ويحتمل أن تكون الباء زائدة أي يأخذوا أحسنها كقوله لا يقرأن بالسور، والوجه الأول أحسن وانظر إلى اختلاف متعلق الأمرين أمر موسى بأخذ جميعها، فقيل: * (فخذها بقوة) * وأكد الأخذ بقوله * (بقوة) * وأمروا هم أن * (يأخذوا بأحسنها) * ولم يؤكد ليعلم أن رتبة النبوة أشق في التكليف من رتبة التابع ولذلك فرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم) قيام الليل وغير ذلك من التكاليف المختصة به والإراءة هنا من رؤية العين ولذلك تعدت إلى اثنين و * (دار الفاسقين) * مصر قاله علي وقتادة ومقاتل وعطية العوفي والفاسقون فرعون وقومه.
* قال الزمخشري كيف أقفرت منهم ودمروا لفسقهم لتعتبروا فلا تفسقوا مثل فسقهم فينكل بكم مثل نكالهم انتهى، وقيل المعنى: وقيل المعنى: سأريكم مصارع الكفار وذلك أنه لما أغرق فرعون وقومه أوحى إلى البحر أن اقذف أجسادهم إلى الساحل ففعل فنظر إليهم بنو إسرائيل فأراهم مصارع الفاسقين، وقال الكلبي: ما مروا عليه إذا سافروا من مصارع عاد وثمود والقرون الذين أهلكوا، وقال قتادة أيضا الشام والمراد العمالقة الذين أمر موسى بقتالهم، وقال مجاهد والحسن: * (دار الفاسقين) * جهنم والمراد الكفرة بموسى وغيره، وقال ابن زيد: * (* سأريكم) * من رؤية القلب أي سأعلمكم سير الأولين وما حل بهم من النكال، وقيل * (سأوريكم دار الفاسقين) * أي ما دار إليه أمرهم وهذا لا يدرك إلا بالأخبار التي يحدث عنها العلم وهذا قريب من قول ابن زيد، وقال ابن عطية: ولو كان من رؤية القلب لتعدى بالهمزة إلى ثلاثة ولو قال قائل المفعول الثالث يتضمنه المعنى فهو مقدر أي مدمرة أو خربة أو مسعرة على قول من قال إنها جهنم قيل له: لا يجوز حذف هذا المفعول ولا الاقتصاد دونه لأنها
(٣٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 392 ... » »»