تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٣٧٩
الأربعين في البقرة وفصل هنا، وقال الكلبي: لما قطع موسى البحر ببني إسرائيل وغرق فرعون قالت بنو إسرائيل لموسى: ائتنا بكتاب من ربنا كما وعدتنا وزعمت أنك تأتينا به إلى شهر فاختار موسى من قومه سبعين رجلا لينطلقوا معه فلما تجهزوا قال الله تعالى لموسى أخبر قومك أنك لن تأتيهم أربعين ليلة وذلك حين أتمت بعشر فلما خرج موسى بالسبعين أمرهم أن ينتظروه أسفل الجبل وصعد موسى الجبل وكلمه الله أربعين يوما وأربعين ليلة وكتب له الألواح ثم إن بني إسرائيل عدوا عشرين ليلة وعشرين يوما وقالوا قد أخلفنا موسى الوعد وجعل لهم السامري العجل فعبدوه، وقيل زيدت العشر بعد الشهر للمناجاة، وقيل: التفت في طريقه فزيدها، وقيل: زيدت عقوبة لقومه على عبادة العجل، وقيل: أعلم موسى بمغيبه ثلاثين ليلة فلما زاده العشر في مغيبه لم يعلموا بذلك ووجست نفوسهم للزيادة على ما أخبرهم فقال السامري هلك موسى وليس براجع وأضلهم بالعجل فاتبعوه، قاله ابن جريج وفائدة التفصيل قالوا: إن الثلاثين للتهيؤ للمناجاة والعشر لإنزال التوراة وتكليمه، وقال أبو مسلم: بادر إلى ميقات ربه قبل قومه لقوله * (وما أعجلك عن قومك ياموسى * موسى) * الآية فجائز أن يكون أتى الطور عند تمام الثلاثية فلما أعلم بخبر قومه مع السامري رجع إلى قومه قبل تمام مدة الوعد ثم عاد إلى الميقات في عشر أخر، قيل: لا يمتنع أن يكون وعدان أول حضره موسى وثان حضره المختارون ليسمعوا كلام الله فاختلف الوعد لاختلاف الحاضرين والثلاثون هي شهر ذي القعدة والعشر من ذي الحجة قاله ابن عباس ومسروق ومجاهد وتقدم الخلاف في قراءة ووعدنا وقالوا انتصب * (ثلاثين) * على أنه مفعول ثان على حذف مضاف فقدره أبو البقاء إتيان ثلاثين أو تمام ثلاثين، وقال ابن عطية * (* وثلاثين) * نصب على تقدير جلناه أو مناجاة ثلاثين وليست منتصبة على الظرف والهاء في * (ليلة وأتممناها) * عائدة على المواعدة المفهومة من * (واعدنا) *، وقال الحوفي الهاء والألف نصب باتممناها وهما راجعتان إلى * (ثلاثين) * ولا يظهر لأن الثلاثين لم تكن ناقصة فتممت بعشر وحذف مميز عشر أي عشر ليال لدلالة ما قبله عليه وفي مصحف أبي وتممناها مشددا والميقات ما وقت له من الوقت وضربه له وجاء بلفظ ربه ولم يأت على * (واعدنا) * فكان يكون للتركيب قتم ميقاتنا لأن لفظ * (ربه) * دال على أنه مصلحة وناظر في أمره ومالكه والمتصرف فيه، قيل: والفرق بين الميقات والوقت أن الميقات ما قدر فيه عمل من الأعمال والوقت وقت الشيء وانتصب * (أربعين) * على الحال قاله الزمخشري، الحال فيه فقال أتى ب (تم) بالغا هذا العدد فعلى هذا لا يكون الحال * (أربعين) * بل الحال هذا المحذوف فينا في قوله * (* وأربعين) * ليلة نصب على الحال وقال ابن عطية أيضا ويصح أن يكون أربعين ظرفا من حيث هي عدد أزمنة، وقيل * (وبلغ أربعين) * مفعول به بتم لأن معناه بلغ والذي يظهر أنه تمييز محول من الفاعل وأصله فتم أربعون ميقات ربه أي كملت ثم أسند التمام لميقات وانتصب أربعون على التمييز والذي يظهر أن هذه الجملة تأكيد وإيضاح، وقيل: فائدتها إزالة توهم العشر من الثلاثين لأنه يحتمل إتمامها بعشر من الثلاثين، وقيل: إزالة توهم أن تكون عشر ساعات أي أتممناها بعشر ساعات.
* (وقال موسى لاخيه هارون اخلفنى فى قومى وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) * وقرء شاذا * (هارون) * بالضم على النداء أي يا هارون أمره حين أراد المضي للمناجاة والمغيب فيها أن يكون خليفته في قومه وأن يصلح في نفسه أو ما يجب أن يصلح من أمر قومه ونهاه أن يتبع سبيل من أفسد وفي النهي دليل على وجود المفسدين ولذلك نهاه عن اتباع سبيلهم وأمره إياه بالصلاح ونهيه عن اتباع سبيل المفسدين هو على سبيل التأكيد لا لتوهم أنه يقع منه خلاف الإصلاح واتباع تلك السبيل لأن منصب النبوة منزه عن ذلك ومعنى
(٣٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 374 375 376 377 378 379 380 381 382 383 384 ... » »»