تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٣٩١
نخبركم بأمر محمد وأصحابه ونطلعكم على سرهم؟ وعن ابن عباس: ألم نحط من ورائكم؟ والذين يتربصون بدل من الذين يتخذون، أو صفة للمنافقين، أو نصب على الذم، أو رفع على خبر الابتداء محذوف. وسمى تعالى ظفر المؤمنين فتحا عظيما لهم، وجعل منه تعالى فقال: فتح من الله، وظفر الكافرين نصيبا، ولم ينسبه إليه تعالى تحقيرا لهم وتخسيسا لما نالوه من المؤمنين، لأن ظفر المؤمنين أمر عظيم تفتح له أبواب السماء كما قال أبو تمام في فتح المعتصم عمورية بلاد الروم:
* فتح تفتح أبواب السماء له * وتبرز الأرض في أثوابها القشب * وأما ظفر الكافرين فهو حظ دنيوي يصيبونه. وقرأ ابن أبي عبلة: ونمنعكم بنصب العين بإضمار بعد واو الجمع، والمعنى: ألم نجمع بين الاستحواذ عليكم، ومنعكم من المؤمنين؟ ونظيره قول الحطيئة:
* ألم أك جاركم ويكون بيني * وبينكم المودة والإخاء * وقال ابن عطية: ونمنعكم بفتح العين على الصرف انتهى. يعني الصرف عن التشريك لما بعدها في إعراب الفعل الذي قبلها، وليس النصب على الصرف من اصطلاح البصريين. وقرأ أبي: ومنعناكم من المؤمنين، وهذا معطوف على معنى التقدير: لأن المعنى إما استخوذنا عليكم ومنعناكم كقوله: * (ألم نشرح لك صدرك * ووضعنا) *. إذ المعنى: أما شرحنا لك صدرك ووضعنا.
* (فالله يحكم بينكم يوم القيامة) * أي وبينهم وينصفكم من جميعهم. ويحتمل أن لا عطف، ومعنى بينكم أي: بين الجمع منكم ومنهم، وغلب الخطاب. وهذه تسلية للمؤمنين وأنس بما وعدهم به.
* (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * يعني يوم القيامة قاله: علي وابن عباس. وروي عن سبيع الحضرمي قال: كنت عند علي فقال له رجل: يا أمير المؤمنين أرأيت قول الله تعالى: * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * كيف ذلك وهم يقاتلوننا ويظهرون علينا أحيانا؟ فقال علي: معنى ذلك يوم القيامة، يوم الحكم. قال ابن عطية: وبهذا قال جميع أهل التأويل. قال ابن العربي: وهذا ضعيف لعدم فائدة الخبر فيه، وإن أوهم صدر الكلام معناه لقوله: فالله يحكم بينكم يوم القيامة. وقيل: أنه تعالى لا يمحو بالكفر ملة الإسلام ولا يستبيح بيضتهم كما جاء في صحيح مسلم من حديث ثوبان قال: * (فإني * دون الله أرونى ماذا خلقوا من الارض أم لهم شرك فى السماوات أم ءاتيناهم كتابا فهم على بينة منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا) *.
وقيل: المعنى أن لا يتواصوا بالباطل، ولا يتناهوا عن المنكر، ويتقاعدوا عن التوبة، فيكون تسليط العدو عليهم من قبلهم كما قال تعالى: * (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) *. قال ابن العربي: وهذا بين جدا، ويدل عليه قوله في حديث ثوبان: حتى يكون بعضهم يهلك بعضا. وذلك أن غاية، فيقتضي ظاهر الكلام أنه لا يسلط عليهم عدوهم فيستبيحهم إلا إذا كان منهم هلاك بعضهم بعضا، وسبي بعضهم لبعض. وقد وجد ذلك في هذه الأزمان بالفتن الواقعة بين المسلمين، فغلظت شوكة الكفار، واستولوا على بلاد المسلمين حتى لم يبق من الإسلام إلا أقله.
وقيل: سبيلا من جهة الشرع، فإن وجد فبخلاف الشرع. وقيل: سبيلا حجة شرعية ولا عقلية
(٣٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 386 387 388 389 390 391 392 393 394 395 396 ... » »»