تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٣٩٥
* (يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين) * لما كان هذا الوصف من أوصاف (سقط: يا أيها الذين آمنوا لا تتخدوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا) المنافقين، وتقدم ذمهم بذلك، نهى الله تعالى المؤمنين عن هذا الوصف. وكان للأنصار في بني قريظة رضاع وحلف ومودة، فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم): من نتولى؟ فقال: * (* المهاجرون) *. وقال القفال: هذا نهي للمؤمنين عن موالاة المنافقين يقول: قد بينت لكم أخلاق هؤلاء المنافقين فلا تتخذوا منهم أولياء انتهى. فعلى هذا هل الكافرون هنا اليهود أو المنافقون قولان؟ وقال ابن عطية: خطابه للمؤمنين يدخل فيه بحكم الظاهر المنافقون المظهرون للإيمان، وفي اللفظ رفق بهم وهو المراد بقوله: أتريدون أن هذا التوفيق إنما هو لمن ألم بشيء من العقل المؤدي إلى هذه الحال، والمؤمنون المخلصون ما ألموا بشيء من ذلك. ويقوي هذا المنزع قوله تعالى: من دون المؤمنين، أي: والمؤمنون العارفون المخلصون غيب عن هذه الموالاة، وهذا لا يقال للمؤمنين المخلصين بل المعنى: يا أيها الذين أظهروا الإيمان والتزموا لوازمه انتهى. قيل: وفي الآية دليل على أن الكفار لا يستحق على المسلم ولاية بوجه ولدا كان أو غيره، وأن لا يستعان بذمي في أمر يتعلق به نصرة وولاية كقوله تعالى: * (ءامنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم) * وقد كره بعض العلماء توكيله في الشراء والبيع، وفي دفع المال إليه مضاربة.
* (أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا) * أي حجة ظاهرة واضحة بموالاتكم الكافرين أو المنافقين على قول القفال. والمعنى: أنه يأخذكم إن واليتم الكفار بانتقام منه، وله عليكم في ذلك الحجة الواضحة، إذ قد بين لكم أحوالهم ونهاكم عن موالاتهم. وقيل: السلطان هنا القهر والقدرة. والمعنى: أنه يسلط عليكم بسبب اتخاذكم الكفار أولياء والسلطان. قال الفراء: أنث وذكر، وبعض العرب يقول: قضت به عليك السلطان، وقد أخذت فلانا السلطان، والتأنيث عند الفصحاء أكثر انتهى. فمن ذكر ذهب به إلى البرهان والاحتجاج، ومن أنث ذهب به إلى الحجة، وإنما اختير التذكير هنا في الصفة وإن كان التأنيث أكثر، لأنه وقع الوصف فاصلة، فهذا هو المرجح للتذكير على التأنيث. وقال ابن عطية: والتذكير أشهر وهي لغة القرآن حيث وقع، وهذا مخالف لما قاله الفراء. وإذا سمي به صاحب الأمر فهو على حذف مضاف والتقدير: ذو السلطان، أي: ذو الحجة على الناس إذ هو مدبرهم والناظر في مصالحهم ومنافعهم. وقال الزمخشري: لا تتشبهوا بالمنافقين في اتخاذهم اليهود وغيرهم من أعداء الإسلام أولياء سلطان حجة بينة يعني: أن موالاة الكافرين بينة على المنافقين. وعن صعصة بن صرحان أنه قال لابن أخ له خالص المؤمن وخالق الكافر والفاجر: فإن الفاجر يرضى منك بالخلق الحسن، وإنه يحق عليك أن تخالص المؤمن
(٣٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 390 391 392 393 394 395 396 397 398 399 400 ... » »»