تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٣ - الصفحة ٣٩٤
وقيل: قل لأنهم قصدوا به الدنيا وزهرتها، وذلك * (فان * متاع الدنيا قليل) *، وقيل في الكلام حذف تقديره: ولا يذكرون عقاب الله وثوابه إلا قليلا لاستغراقهم في الدنيا، وغلبة الغفلة على قلوبهم. والظاهر أن الذكر هنا هو باللسان، وأنهم قل أن يذكروا الله بخلاف المؤمن المخلص، فإنه يغلب على أحواله ذكر الله تعالى.
* (مذبذبين بين ذالك) * أي مقلقين. قال الزمخشري: ذبذبهم الشيطان والهوى بين الإيمان والكفر يترددون بينهما متحيرين، كأنه يذب عن كلا الجانبين أي يذاد فلا يقر في جانب واحد، كما يقال: فلان يرمي به الرحوان، إلا أن الذبذبة فيها تكرير ليس في الذب، كان المعنى: كلما مال إلى جانب ذب عنه انتهى. ونسب الذبذبة إلى الشيطان، وأهل السنة يقولون: إن هذه الحياة والذبذبة إنما حصلت بإيجاد الله. وفي الحديث: (مثل المنافق مثل الشاة العابر بين الغنيمن) والإشارة بذلك إلى حالتي الكفر والإيمان كما قال تعالى: * (عوان بين ذالك) * أي بين البكر والفارض.
وقال ابن عطية: وأشار إليه وإن لم يتقدم ذكر الظهور لضمن الكلام له، كما جاء: * (حتى توارت بالحجاب) * * (وكل من * عليها فان) * انتهى وليس كما ذكر، بل تقدم ما تصح إليه الإشارة من المصدرين اللذين دل عليهما ذكر الكافرين والمؤمنين، فهو من باب: إذا نهى السفيه جرى إليه.
وقرأ ابن عباس وعمرو بن فائد: مذبذبين بكسر الذال الثانية، جعلاه اسم فاعل أي مذبذبين أنفسهم أو دينهم، أو بمعنى متذبذبين كما جاء صلصل وتصلصل بمعنى. وقرأ أبي: متذبذبين اسم فاعل من تذبذب أي اضطرب، وكذا في مصحف عبد الله. وقرأ الحسن: مذبذبين بفتح الميم والذالين. قال ابن عطية: وهي قراءة مردودة. انتهى. والحسن البصري من أفصح الناس يحتج بكلامه، فلا ينبغي أن ترد قراءته، ولها وجه في العربية، وهو أنه أتبع حركة الميم بحركة الذال، وإذا كانوا قد أتبعوا حركة الميم بحركة عين الكلمة في مثل منتن وبينهما حاجز فلان يتبعوا بغير حاجز أولى، وكذلك اتبعوا حركة عين منفعل بحركة اللام في حالة الرفع فقالوا: منحدر، وهذا أولى لأن حركة الإعراب ليست ثابتة خلاف حركة الذال، وهذا كله توجيه شذوذ. وعلى تقدير صحة النقل عن الحسن أنه قرأ بفتح الميم. وقرأ أبو جعفر: مدبدبين بالدال غير معجمة، كأن المعنى: أخذتهم تارة بدبة، وتارة في دبة، فليسوا بماضين على دبة واحدة. والدبة الطريقة، وهي في حديث ابن عباس: (اتبعوا دبة قريش، ولا تفارقوا الجماعة) ويقال: دعني ودبتي، أي طريقتي وسجيتي. قال الشاعر:
* طها هذريان قل تغميض عينه * على دبة مثل الخنيق المرعبل * وانتصاب مذبذبين على الحال من فاعل يراؤون، أو فاعل ولا يذكرون. وقال الزمخشري: مذبذبين: إما حال من قوله: ولا يذكرون عن واو يراؤونهم، أي يراؤونهم غير ذاكرين مذبذبين. أو منصوب على الذم.
* (لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء) * والمراد بأحد المشار إليهم المؤمنون، وبالآخر الكافرون. والمعنى: لا يعتقدون الإيمان فيعدوا من المؤمنين، ولم يقيموا على إظهار الكفر فيعدوا مع الكافرين. ويتعلق إلى بمحذوف تقديره: ولا منسوبين إلى هؤلاء، وهو موضع الحال.
* (ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا) * أي فلن تجد لهدايته سبيلا، أو فلن تجد سبيلا إلى هدايته.
(٣٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 389 390 391 392 393 394 395 396 397 398 399 ... » »»