نجوا، فإذا جاؤوا إلى الصراط طفىء نور كل منافق، ونهض المؤمنون. وذلك قول المنافقين: انظرونا نقتبس من نوركم وذلك هو الخداع الذي يجري على المنافقين.
وقال الزمخشري: وهو خادعهم، وهو فاعل بهم ما يفعل الغالب في الخداع، حيث تركهم معصومين الدماء والأموال في الدنيا، وأعد لهم الدرك الأسفل من النار في الآخرة، ولم يخلهم في العاجل من فضيحة وإحلال بأس ونقمة ورعب دائم. والخادع من خدعته إذا غلبته، وكنت أخدع منه انتهى. وبعضه مسترق من كلام الزجاج. قال الزجاج: لما أمر بقبول ما أظهروا كان خادعا لهم بذلك. وقرأ مسلمة بن عبد الله النحوي: خادعهم بإسكان العين على التخفيف، واستثقال الخروج من كسر إلى ضم. وهذه الجملة معطوفة على خبر إن. وقال أبو البقاء: هو في موضع الحال.
* (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم) * أي متوانين لا نشاط لهم فيها، لأنهم إنما يصلون تسترا وتكلفا، وينبغي للمؤمن أن يتحرز من هذه الخصلة التي ذم المنافقون، وأن يقبل إلى صلاته بنشاط وفرغ قلب وتمهل في فعلها، ولا يتقاعس عنها فعل المنافق الذي يصلي على كره لاعن طيب نفس ورغبة. وما زال في كل عصر منافقون يتسترون بالإسلام، ويحضرون الصلوات كالمتفلسفين الموجودين في عصرنا هذا، وقد أشار بعض علمائنا إليهم في شعر قاله وضمن فيه بعض الآية، فقال في أبي الوليد بن رشد الحفيد وأمثاله من متفلسفة الإسلام:
* لأشياع الفلاسفة اعتقاد * يرون به عن الشرح انحلالا * * أباحوا كل محظور حرام * وردوه لأنفسهم حلالا * * وما انتسبوا إلى الإسلام إلا * لصون دمائهم أن لا تسالا * * فيأتون المناكر في نشاط * ويأتون الصلاة وهم كسالى * وقرأ الجمهور: كسالى بضم الكاف، وهي لغة أهل الحجاز. وقرأ الأعرج: كسالى بفتح الكاف وهي لغة تميم وأسد. وقرأ ابن المسيمقع: كسلى على وزن فعلى، وصف بما يوصف به المؤنث المفرد على مراعاة الجماعة كقراءة. * (وترى الناس سكارى) *.
* (برب الناس) * أي يقصدون بصلاتهم الرياء والسمعة وأنهم مسلمون. وهي من باب المفاعلة، يرى المرائي الناس تجمله بأفعال الطاعة، وهم يرونه استحسان ذلك العمل. وقد يكون من باب فاعل بمعنى فعل، نحو نعمة وناعمة. وروى أبو زيد: رأت المرأة المرآة إذا أمسكتها لترى وجهها. وقرئ: يرؤن بهمزة مضمومة مشددة بين الراء والواو. وقال ابن عطية: وهي أقوى في المعنى من يراؤون، لأن معناها يحملون الناس على أن يروهم ويتظاهرون لهم بالصلاة وهم يبطنون النفاق. ونسب الزمخشري هذه القراءة لابن أبي إسحاق إلا أنه قالقرأ: يرؤنهم همزة مشددة مثل: يرعونهم أي يبصرونهم أعمالهم، ويراؤونهم كذلك.
* (ولا يذكرون الله * لا * قليلا) * قال الحسن: قل لأنه كان يعمل لغير الله. وقال قتادة: ما معناه إنما قل لكونه لم يقبله، وما رده الله فكثيره قليل، وما قبله فقليله كثير. وقال غيره: قل بالنسبة إلى خوضهم في الباطل وقولهم الزور والكفر. وقال الزمخشري: إلا قليلا، لأنهم لا يصلون قط غائبين عن عيون الناس إلا ما يجاهرون به، وما يجاهرون به قليل، لأنهم ما وجدوا مندوحة من تكلف ما ليس في قلوبهم لم يتكلفوه، أولا يذكرون الله بالتسبيح والتهليل إلا ذكرا قليلا. ويجوز أن يراد بالقلة العدم انتهى. ولا يجوز أن يراد به العدم، لأن الاستثناء يأباه، وقد رددنا هذا القول عليه وعلى ابن عطية في هذه السورة.