بشر على سبيل التهكم بهم نحو قوله: * (فبشرهم بعذاب أليم) * أي القائم لهم مقام البشارة، هو الإخبار بالعذاب كما قال: * (تحية * بينهم * ضرب) *. وقال ابن عطية: جاءت البشارة هنا مصرحا بفيدها، فلذلك حسن استعمالها في المكروه. ومتى جاءت مطلقة فإنما عرفها في المحبوب. وفي هذه الآية دليل على أن التي قبلها إنما هي في المنافقين. وقال الماتريدي: بشر المنافقين يدل على أن قوله: * (خبيرا يأيها الذين ءامنوا ءامنوا) * في أهل النفاق والمراءاة، لأنه لم يسبق ذكر للمنافقين سوى هذه الآية. ويحتمل أن يكون ابتداء من غير تقدم ذكر المنافقين.
* (الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين) * أي: اليهود والنصارى ومشركي العرب أولياء أنصارا ومعينين يوالونهم على الرسول والمؤمنين، ونص من صفات المنافقين على أشدها ضررا على المؤمنين وهي: موالاتهم الكفار، واطراحهم المؤمنين، ونبه على فساد ذلك ليدعه من عسى أن يقع في نوع منه من المؤمنين غفلة أو جهالة أو مسامحة. والذين: نعت للمنافقين، أو نصب على الذم، أو رفع على خبر المبتدأ. أي: هم الذين.
* (أيبتغون عندهم العزة) * أي: الغلبة والشدة والمنعة بموالاتهم، وقول بعضهم لبعض: لا يتم أمر محمد. وفي هذا الاستفهام تنبيه على أنهم لا عزة لهم فكيف تبتغي منهم؟ وعلى خبث مقصدهم. وهو طلب العزة بالكفار والاستكثار بهم.
* (فإن العزة لله جميعا) * أي لأوليائه الذين كتب لهم العز والغلبة على اليهود وغيرهم. قال تعالى: * (كتب الله لاغلبن أنا ورسلى إن الله قوى عزيز) *. وقال: * (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولاكن المنافقين لا يعلمون) *. وقال تعالى: * (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا) * والفاء في فإن العزة لله دخلت لما في الكلام من معنى الشرط، والمعنى: أن تبتغوا العزة من هؤلاء فإن العزة، وانتصب جميعا على الحال.
* (وقد نزل عليكم فى الكتاب أن إذا سمعتم ءايات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا) * الخطاب لمن أظهر الإيمان من مخلص ومنافق. وقيل: للمنافقين الذين تقدم ذكرهم، ويكون التفاتا. وكانوا يجلسون إلى أحبار اليهود وهم يخوضون في القرآن يسمعون منهم، فنهوا عن ذلك، وذكروا بما نزل عليهم بمكة من قوله: * (وإذا رأيت الذين يخوضون فىءاياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا فى حديث غيره) *.
وقرأ الجمهور: وقد نزل مشددا مبنيا للمفعول. وقرأ عاصم: نزل مشددا مبنيا للفاعل. وقرأ أبو حيوة وحميد: نزل مخففا مبنيا للفاعل. وقرأ النخعي: أنزل بالهمزة مبنيا للمفعول، ومحل أن رفع أو نصب على حسب العامل، فنصب على قراءة عاصم، ورفع على الفاعل على قراءة أبي حيوة وحميد، وعلى المفعول الذي لم يسم فاعله على قراءة الباقين. وإن هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن محذوف وتقديره: ذلك أنه إذا سمعتم. وما قدره أبو البقاء من قوله: أنكم إذا سمعتم، ليس بجيد، لأنها إذا خففت إن لم تعمل في ضمير إلا إذا كان ضمير أمر، وشأن محذوف، وإعمالها في غيره ضرورة نحو قوله:
* فلو أنك في يوم الرخاء سألتني * طلاقك لم أبخل وأنت صديق * وخبر إن هي الجملة من إذا وجوابها. ومثال وقوع جملة الشرط خبرا لأن المخففة من الثقيلة قول الشاعر:
* فعلمت أن من تتقوه فإنه * جزر لخامعة وفرخ عقاب *